توج أحمد داود اوغلو، وهو في الخامسة والخمسين من العمر مسيرته السياسية عبر خلافة رجب طيب اردوغان في منصب رئيس الوزراء تركيا، رغم بعض إخفاقات سياسته الخارجية النشطة والطموحة.
ويعد داود اوغلو صاحب الابتسامة الدائمة، من أبرز شخصيات الحلقة الضيقة المحيطة باردوغان الرئيس الجديد لتركيا، فهو مخطط ومفاوض مخضرم يجسد منذ قرابة 11 عاما رغبة النظام الإسلامي المحافظ في تحويل تركيا إلى قوة مهابة الجانب في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وكان داود اوغلو مستشارا دبلوماسيا لدى اردوغان قبل أن يعينه هذا الأخير وزيرا للخارجية العام 2009، فعمل على مضاعفة جهوده من أجل فرض بلاده في صلب منطقة نفوذ السلطنة العثمانية سابقا.
وأسفر نشاط داود اوغلو الذي يحبذ تسليط الأضواء عليه عن تصنيفه العام 2010 ضمن لائحة “المائة رجل الأكثر نفوذا في العالم” التي تضعها مجلة فورين بوليسي بسبب منحه تركيا “مرتبة عالمية فقدتها منذ مغادرة آخر السلاطين قصر توبكابي في اسطنبول”.
لكن هذه الرغبة في إعادة إحياء النفوذ الذي مارسته السلطنة العثمانية على العالم العربي أثارت انتقادات، كما أنها اصطدمت بالمتغيرات الناجمة عن حركات الاحتجاج في العالم العربي.
ولد رئيس الوزراء التركي الجديد في 26 فبراير 1959 في قونية التي يمثلها في البرلمان منذ العام 2011.
وعندما كان أستاذا للعلاقات الدولية في جامعة اسطنبول، أصدر العام 2001 كتابًا بعنوان “العمق الاستراتيجي” عرض فيه طموحه الذي يتلخص بعبارة باتت شهيرة “صفر مشاكل مع الجيران”.
ورئيس الوزراء الجديد مسلم متدين متزوج من طبيبة نسائية محجبة أنجبت منه أربعة أولاد.
وانتقل العام 2003 إلى حكومة أردوغان حيث تسلم حقيبة الخارجية فسعى بجهد حثيث إلى تطبيق نظرياته السياسية لكن النتيجة كانت متفاوتة.
وحاول الإسلاميون الحاكمون في أنقرة اغتنام العلاقات التقليدية الجيدة مع سوريا وإسرائيل العام 2007 من أجل تحقيق تقارب بينهما إلا أنهم فشلوا في ذلك.
كما فشلت وساطة تركية العام 2009 بين الغرب وإيران حول البرنامج النووي. ورغم الاندفاعة القوية والمذهلة في العلاقات مع أرمينيا، ما تزال الأمور تراوح مكانها.
وحول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فان احتمالاته أصبحت أضيق مع معارضة فرنسا وألمانيا.
لكن الاضطرابات في العالم العربي منذ العام 2011 هي التي وجت ضربة قاضية لسياسة تركيا التي تصفها المعارضة بأنها أصبحت “صفر علاقات مع الجيران”.
أما العلاقات مع إسرائيل، فقد قاربت القطيعة النهائية بعد هجوم للجيش الإسرائيلي على سفينة تركية العام 2010 والمواجهات الأخيرة في غزة، وحدث الأمر ذاته مع مصر اثر سقوط الرئيس محمد مرسي وكذلك الأمر مع الرئيس السوري بشار الأسد منذ بدء الانتفاضة التي تحولت إلى الحرب الأهلية.
ويقول منتقدوها أن سياسة تركيا في هذه الدول باتت محددة مسبقا نظرا لتفضيلها السنة.
ويوضح السفير التركي السابق لدى بغداد مراد اوزجليك أن “هؤلاء تغيروا بشكل عميق بسبب تأثير إيديولوجيتهم عليهم. وبغض النظر عن فحوى رسالتهم، لن يتمكنوا من فعل اي شيء إذا لم يتغيروا”.
ولم يعد لتركيا اي سفير في هذه الدول الرئيسية، كما أن دعمها للمتطرفين السنة في الحرب ضد دمشق، رغم النفي، انقلب عليها مع احتجاز 49 تركيا رهائن في العراق.
من جانبها تركز المعارضة التركية على فشل سياسة داود اوغلو واستهجنت وصوله إلى رئاسة الحزب الحاكم والحكومة خلفا لاردوغان، معتبرة انه سيكون مجرد “دمية” في يدي الرئيس الجديد.
وينفي داود اوغلو بشراسة أي فشل. وللدفاع عن نفسه، يتبنى الأكاديمي المتعدد اللغات الذي يتحدث الألمانية والانكليزية والعربية خطابا يعيد إلى الأذهان الخطاب الديني لاردوغان.
وقال أول أمس الأربعاء عند توليه رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم “لن ندع تركيا تواجه الكارثة الكبرى التي حلت بالسلطنة العثمانية”.
وكان أعلن قبل فترة “يطالبنا بعضهم بعدم الانحياز كما يدعونا آخرون إلى الابتعاد عن وكر الدبابير في الشرق الأوسط. لكن بالنسبة لنا فان وكر الدبابير هذا هو قلب الوحي المقدس وبمشيئة الله سنرفع راية الحضارة في الشرق الأوسط”.
من جهته، يقول سولي اوزيل أستاذ العلوم السياسية في جامعة قادر هاس في اسطنبول إن داود اوغلو “يؤمن بعظمة الحضارة الإسلامية، والسؤال يكمن في معرفة ما إذا كان عثمانيا مجددا أو إسلاميا مجددا”.