وقال الباحث الموريتاني إن هذا التراث كان يعيش منعزلا ثقافيا وجغرافيا بين بحرين من الرمل والماء وتحت سماء صافية وشمس ساطعة وفي بيئة صحراوية مغبرة وعاصفة وظروف اقتصادية صعبة واجتماعية معقدة وسياسية سائبة.
وأضاف ولد حبيب الله خلال المحاضرة التي قدمها مساء أمس الثلاثاء، تحت عنوان “التراث البدوي الموريتاني المكتوب والمروي”، أنه رغم ذلك تعلم وعلم واستملى وأملى واستجلى وأجلى واستفتى وأفتى واستكتب وكتب واستقرض وقرض وأبدع وابتدع وثاقف ونافس وفاخر وساجل وحاكى، فصور الواقع البدوي المعيش في أحكامه وأجاب عن نوازله بفتاويه ومن أصحاب هذا التراث ” الشاعر بطبعه وقريحته والشاعر بعلمه وهمته والشاعر بعروضه ولفته”.
واستشهد ولد حبيب الله بمقولة المختار ولد حامدون الديماني ” 1314 – 1414 هـ ” حين يقول “يعجبهم تعداد المواضع في الشعر سواء كان بداعية بهجة الأرض وحسن منظر الضعن السائر عليها أو بداعية كونها مناط التمائم ودار الأحباب ومعهد المرء في عصر الشباب.
وأضاف: “فقد قيل للحسنيين: إن اليعقوبيين أشعر منكم، فقالوا إنهم يركبون المطايا النجيبة ويتنزهون في الأرض الجميلة والمناظر البهيجة وإن أحدنا يمشي حافيا أشعث أغبر على أرض مغبرة شائكة ليس فيها ما يلفت الأنظار أو يهيج الأفكار ورغم ذلك ننظم القصائد الطنانة التي تكاد تكون معلقات”.
وخلص إلى الحديث عن أبرز روائع التراث البدوي، متحدثاً عن “الأمثال التي هي دستور العامة ومدرسة الجاهليين، وفي كل لهجة من اللهجات الموريتانية أمثال تحتها حكم وإرشادات”، ومن طرفه أن أصحابه كانوا يسمون أولادهم باسم مؤلف لأحد علماء أقطار الإسلام كالبخاري ومسلم والزرقاني.
ولكن عوادي الزمن كالفتن والحروب والترحال والكدر والجوع المذقع والمرض الموجع ونذرة الأنقاس والقرطاس واليراع، عوامل كلها أودت بهذا التراث فاندثر وضاع جله وما بقي منه ما زال أغلبه طي الكتمان ويخشى أن يصير طي النسيان مع مرور الزمان، وبعضه ما زال مطمورا في جوف المدن القديمة أو تحت الخيام والعرائش، على أن إحياء هذا التراث يتطلب جهودا جماعية وجامعية لأنه ما زال متفرقا شعاعا بين القبائل.
المحاضرة التي قدم لها الدكتور محمد القادرى شهدت حضور العديد من رجال الفكر والثقافة والأدب.