جلس الرئيس محمد ولد عبد العزيز وسط ستة عشر صحافياً، ثمانية عن يمينه وثمانية عن شماله، في باحة دار الضيافة تحت خيمة صناعية من البلاستيك لم تكن لترد برد نواذيبو التي تنام ودرجة الحرارة لا تتجاوز 15 درجة، مع نسبة رطوبة مرتفعة، وديكور كلاسيكي اعتمد على الصناعة المحلية.
هكذا بدأ المؤتمر الصحفي بارداً مع طغيان الشأن السياسي والحديث المكرر عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتبادل الاتهامات مع المعارضة، حديث لم يتركه الرئيس يمر من دون الاستمتاع باستحضار لغة الأرقام والأصفار التسعة، ولكن الجديد هذه المرة هو أن الرئيس استعان بجهاز “آيباد” عندما بدأ الحديث عن المحصلة الاقتصادية.
مع مرور الوقت بدا واضحاً أن جهاز الآيباد لم يكن سوى جزء من “الديكور الرئاسي” لإظهار نوع من الثقة والدقة؛ أو ربما – يقول أحدهم- استجابة لكلمة الطفل في لقاء الشباب الأخير ودعوته لتلبية مطالب “جيل الآيباد والآيفون”، فهل وصلت رسالة الطفل، ليأتي “الآيباد الرئاسي” رداً على جيل يمثل ناخبي المستقبل.
مع طغيان الأسئلة السياسية، وتكرارها رغم اختلاف صيغتها، بدأ الرئيس يكرر كلامه ويؤكد رفضه لتشكيل حكومة توافقية وتأجيل الانتخابات عن موعدها الدستوري، قبل أن يأتي دور أحد الصحفيين أكد أنه لن يتناول السياسة لتبدو علامات الارتياح على وجه الرئيس، ولكن ذلك لم يدم طويلاً.
ارتفع مستوى الدفء في الخيمة البلاستيكية، مع فتح ملفات الحرب على الفساد ومفتشية الدولة والمحميين من طرف النظام ورجال الأعمال الجدد، بدا واضحاً حينها حرج الرئيس رغم محاولة إخفاء ذلك والصراحة الكبيرة التي تحدث بها، وتحكمه الواضح في إدارة النقاش الذي أثارته هذه “الملفات الحساسة”، والتي أظهرت أن الرئيس كان تركيزه منصباً على الشأن السياسي ويريد أن يمرر رسالة موجهة للمعارضة، وربما لم يكن يتوقع كل هذا الحجم من “الاستفزاز”.
السؤال عن الدور الاقتصادي والتجاري للجيش الوطني، جعل الرئيس يدون ملاحظات سريعة في دفتر حملت دفتاه الألوان العسكرية، لوح الرئيس بالدفتر وألوانه المميزة وهو يدافع عن الدور الكبير الذي تلعبه الهندسة العسكرية في تنفيذ مشاريع هامة وعاجلة، مثل تشييد بعض الطرق وشفط مياه المستنقعات من بعض أحياء نواكشوط.
ظل “الدفتر العسكري” أمام الرئيس يدون فيه الملاحظات ويرفعه بين الفينة والأخرى في وجوه محاوريه، حركة قد لا تحمل رسالة مبطنة، خاصة مع تأكيد الرئيس بأنه لا تراجع عن جو الحريات في البلاد، في سياق رده على الخشية من قانون مجتمع المعلومات الجديد، وهو قانون بدا واضحاً أن الرئيس لم يطلع عليه بعد.
أنهى الرئيس مؤتمره الصحفي بابتسامة خاصة، قرأها بعضهم بأنها رسالة ود إلى صحافيين غلبت عليهم المهادنة وعدم الدفاع عن أسئلتهم، فيما فسرها آخرون بأنها ابتسامة المنتصر، انتصار الضيف على الصحفي، وانتصار رئيس على الصورة النمطية لسابقيه، حين يعقد المؤتمرات الصحفية يرد على ما يريد من أسئلة ويتجنب أخرى.. لا يهم، فلن يتذكروا سوى أنه واجه الصحافة كما واجه الشباب والشعب قبل ذلك.