في واغادوغو يعيش سياسي ورجل أعمال موريتاني مخضرم، بات مثار التساؤلات خلال الأيام الأخيرة، خصوصا حين اتضح جليا أن بوصلة الحكم بدأت تتجه بمنحى معاكس لذلك الذي يوجد فيه الرئيس بليز كامباوري، الذي يعمل مستشاره للشؤون الإفريقية.
لم يكن اسم المصطفى ولد الامام الشافعي جديدا على الإعلام أو الرأي العام الموريتاني؛ فهو المعارض الشرس للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وقبله معاوية ولد سيدي أحمد الطائع. لكن مصيره في بوركينا شكل مصدر اهتمام لعدد كبير من الموريتانيين.
صوت ابنه الأصغر أحمد القادم من العاصمة المغربية الرباط ـــ حيث اختار لعائلته الإقامة من أجل دراسة أبنائه في بيئة عربية إسلامية ــــ كان يلح عليه بقوة أن يخرج من واغا إلى مكان آمن. رد عليه المصطفى “هل تريد أن يوصف أبوك بأنه جبان؟!”.
ومع إلحاح أحمد يرد المصطفى مجددا، مؤكدا أن التاريخ لن يسجل له الهروب. وأصر على أنه لن يغادر واغاداغاو ما دام فيها بليز كامباوري.
لم يكن الصغير أحمد وحده من يحرص على سلامة رجل افريقيا القوي، بل إن سفارات دول عديدة وفي مقدمتها كوت ديفوار، والنيجر، والتوغو، ومالي .. عرضت عليه اللجوء، ورفض.
كان منذ اللحظات الأولى إلى جانب الرئيس الذي عمل معه سنوات طويلة. قال له في إحدى اللحظات العصيبة أن عليه المغادرة. فرد “نحن أبناء الصحراء لا نهرب.. لا يمكنني ذلك”.
في اليوم الأول للأحداث (الخميس 30 أكتوبر)، غادر سكنه في حي “واغا 2000″، حيث كانت المنطقة مستهدفة وتتعرض لأعمال نهب، وفي اليوم الثاني عاد إلى بيته تحت حراسة عناصر عسكرية بزي أمني، بأوامر من قائد الحرس الرئاسي الجنرال غيلبير ديانديري.
عندما غادر بليز عاصمة بلاده بعد إعلانه الاستقالة، وإمطار مواطنيه بسيل من التوصيات والنصائح والأدعية عبر تغريداته في توتير. استقر ولد الشافعي في بيته؛ تحت الحراسة.
عرض عليه الحكام الجدد من قادة الجيش البقاء، ولكنه كان تحت ضغط كبير من صديقه الرئيس الايفواري الحسن واتارا، وتحت طلباته واتصالاته المتكررة، اعتذر للعسكريين. وحين هم بالمغادرة رافقته وحدة من الجنود التابعين للحاكم العسكري الجديد المقدم اسحاق يعقوب زيدا، وأمنته حتى يصل للطائرة الفرنسية الرابضة في المطار، والتي أرسلها واتارا.
حل ولد الإمام الشافعي بآبيدجان، العاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار؛ وهي مدينة يعرفها جيدا، وكان في استقباله بالمطار وزير شؤون الرئاسة ابراهيم واتارا، شقيق رئيس الجمهورية. وعلى بعد 246 كيلومتر، كان الرئيس المستقيل كامباوري قد تناول وجبة فطور جلبت من فندق “بريزيدنت” الراقي بمدينة يامسكرو، العاصمة السياسية والإدارية للبلاد. وهو الفندق ذاته الذي حضّر له وجبة العشاء مساء الجمعة.
موكب كبير من نحو ثلاثين سيارة أوصل الرئيس القادم من حقبة حكم امتدت 27 عاما، إلى دار الضيافة؛ وهي مبنى ضخم مجاور لقصر الرئيس الأسبق فيليكس هوفويه بوانيي.
القسم الأكبر من عائلة “كامباوري” انتقل إلى كوت ديفوار، بمن فيهم زوجته شانتال، باستثناء أخيه ومستشاره فرانسوا الذي وصل أمس السبت إلى كوتونو عاصمة بنين رفقة زوجته.
وذلك بعد تأكيدات من الحاكم البوركينابي الجديد المقدم اسحاق زيدا الذي قال إن الرئيس السابق موجود في مكان آمن، وان سلامته الجسدية والمعنوية مضمونة. حيث استقل سيارة رباعية الدفع وانتقل في موكب وفرت له حماية عسكرية حتى منطقة قريبة من مدينة “بو” المحاذية للحدود مع غانا ومنها استقل طائرة هولكبتر إلى كوت ديفوار، بعث بها الرئيس الايفواري الحسن واتارا.
وبكل تأكيد أن بليز تواصل مع مستشاره ولد الشافعي، ومع الرئيس الذي استضافهما الحسن واتارا، عرفانا بالجميل للرجلين اللذين وقفا معه في محنة استمرت سنوات. كان فيها ضحية للظلم والمنع من الترشح للرئاسة بحجة أصول أجداده البوركينابية. وقال في بيان رئاسي واضح اللغة “إن رئيس الجمهورية يخبر الشعب الإيفواري، والمقيمين في كوت ديفوار، والمجتمع الدولي، أن كوت ديفوار قد استقبلت الرئيس بليز كامباوري، وعائلته ومقربيه”.
في واغاداغو عاد الهدوء نسبيا إلى الشوارع، بعد موجات من أعمال النهب، وصلت أيضا ثاني مدن البلاد “بوبو ديولاسو”. وتلبية لدعوة من “حركة المواطن” التي نشطت ضد كومباوري قام عدد من الشبان بتنظيف شوارع العاصمة من الركام والعجلات المحروقة.
لكن السؤال الأكبر يبقى متى ستنتهي حالة غياب الاستقرار، ومتى وكيف ستجري الانتخابات لاختيار أول رئيس يصل إلى سدة الحكم عن طريق الاقتراع العام المباشر؛ في “بلاد الشرفاء الطيبين”..؟ وهل سيعيش بليز بقية عمره في المنفى؟.