لكل امة من الأمم هوية تميزها عن غيرها , تشكل لها الحاضنة التي هي سر بقائها إليها تنتمي وعليها تحافظ وعنها تنافح , فلابقا، لأمة بلا هوية ,كما أنه لا بقاء لهوية بلا رجال , وللأمة الموريتانية كباقي الأمم رجال حافظوا علي هويتها فحفظهم تاريخها ,من هؤلاء رجل اصطلح كل الموريتانيين علي تسميته بأبي الأمة اعترافا بفضله ووفا، لجهده وجهد رفاقه من الجيل المؤسس , إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأت تظهر بعض الآراء المشككة في الرجل في ولائه وإخلاصه وانتمائه لمصلحة بلده , بالكتابة حينا وبالحديث آخر , ومن هؤلاء، اللذين ظهروا وللأسف رجل هو أيضا من رجالات هذا البلد كفاحا ونضالا وتضحية هو العميد محمد المصطفي ول بدر الدين وذلك في برنامج الصفحة الاخيرة -أرجوا أن يكون لها في هذا المجال حظ من اسمها – وقد بدا في حلقات متتالية من هذا البرنامج مصرا علي رأيه في الرئيس المختار رحمه الله من أنه كان يعمل -أي الرئيس المختار-لحساب فرنسا , وأنه صنيعتها ورجلها في البلد , إلا أنه ذكر في حلقته الاخيرة أنه لم يتلفظ اتجاه الرئيس المختار بلفظ :خائن ولا عميل , والعميد والمشاهدون يعلمون أنه إذا فهمت المقاصد فلاعبرة بالألفاظ كما هو مقرر عند أهل الأصول , وقد كتب الاستاذ محمدو الناجي في مقال نشره تحت عنوان “لاينقضي عجبي من الصفحة الاخيرة ” نحا فيه نحو رفيقه إلا انه حاول أن يبتعد فيه بعض الشي، عن التجريح والحدة متحدثا بلغة تميل الي الدبلوماسية ويستشف منها المكر السياسي, تلطف الشكل وتبقي علي المضمون , وكان كل منهما يزكي صاحبه فيما قال وذهب اليه في شأن الرئيس المختار وحقبته وسياسته ومواقفه , وقدكتبت مقالا نشرته تحت عنوان ” الصفحة الاولي علي الصفحة الاخيرة ” ولأن العميد مازال متابعا لأقواله وشهادته ضد الرجل فقد أردت ان اضيف بعض النقاط تكميلا لما سبق : فبالنسبة لما قال العميد أو ألمح اليه من أن الرئيس المختار كان عميلا او ما يفهم منه ذلك فهل كان ذلك حقا هو سبب خلافهم معه? لقد ذكر شاهد إيديولوجي آخر هو دفالي ول الشين في حلقة سابقة من هذا البرنامج أن حزب البعث العربي الاشتراكي كان يمتلك تنظيما قويا داخل الجيش الموريتاني ويأتمر بأوامر القيادة القطرية لحزب البعث في العراق , وذكر انه في مؤتمر روما لم يستطيعوا إقناع العراقيين بحل هذا التنظيم , كما ذكر الأستاذ القيادي البعثي ممد ول أحمد ان أسلحة ارسلت اليهم من العراق لتصفية زملاء لهم في موريتانيا , أفيمكن ان يوجد دليل هو أنصع وأوضح علي العمالة لدولة أجنبية اكثر من هذا الدليل ? وقد ذكر الشاهدان محمدالمصطفي ول بدر الدين عن الكادحين , ودفالي ول الشين عن البعثيين واكدا انه كان بين الجانبين تنسيق قوي ولمدة طويلة , كما تجمعهما الثقة المتبادلة من بداية تاريخهما وحتي الآن !! إذن أفنستطيع بعد هذا ان نقول أن العمالة كانت شيئا منفرا بالنسبة للعميد ورفاقه ? أو أنها هي سبب الخلاف مع أي كان ?? إن هذا لايصلح ان يكون دليلا علي شيء من ذلك , اللهم إلا أن يكون دليلا علي قول وزير الخارجية الامريكي السابق هنري كيسنجر في وصفه للسياسة بأنها : “فن الكذب علي الشعوب ” . وفيما يتعلق بأسلوب العميد في حديثه عن الرئيس المختار فانه يذكرني بعمرو ابن بحر الجاحظ في سخريته من نفسه وقدكان قبيح المنظر دميم الخلقة يقول : كنت يوما في منزلي اذ أقبلت إلي امرأة وطلبت مني ان اتبعها فتبعتها فذهبت بي الي حانوت صائغ فلما دخلنا عليه نظرت الي وقالت : مثل هذا , فتعجبت وسالته عن قولها فقال لقد اتتني هذه المرأة وطلبت مني ان اصنع لها خاتما وان اجعل نقشه علي صورة شيطان فأجبتها بانه لاعلم لي بالشيطان ولا رأيته في نوم ولايقظة فقالت لي انتظر وذهبت واتت بك ثم قالت : مثل هذا , فالعميد في حديثه عن قضية من القضايا يبدأ في تشويهها وتقبيحها في نظر المشاهد حتي اذا أحس أن التشويه والقبح قد بلغ غايته عند المتلقي والمتابع ألصقها بالمختار ليصل بذلك الي غايته , وحين يتحدث العميد عن مواقف الرئيس المختار يجعل المشاهد يلغي من تفكيره ويتناسي كل شيء الا الرئيس واجهزة امنه في مواجهة النقابة والنهضة والمعارضين , وكانه ليس في الدنيا غير هذا فليس هناك تشرذم سياسي ودعوات داخلية للانضمام شمالا وشرقا وجنوبا وليست هناك أطماع خارجية بالضم والاستحواذ ، وكأننا لسنا كيانا وليدا بل دولة قوية متغولة لها جيشها القوي واقتصادها المتين وعلاقاتها الخارجية الوطيدة !! ينسيك التفكير في كل ذلك لتبقي في جو الدكتاتور العميل المتحجر اللذي يريد القضاء علي ابناء شعبه من الأخيار المصلحين والوطنيين الثائرين , وعندما يبدأ العميد الحديث عن موقفه وموقف حركته تقفز الى ذهنه فجأة الحالة السياسية للدولة وحركات التحرر في العالم والاحوال في افريقيا عامة والجوار خاصة وهشاشة الدولة الوليدة وروابطها إلي غير ذلك , ليختطف بذلك ذهن المشاهد لينسيه بقية المشهد ونصف الصورة الآخر , وهذه الطريقة في التحليل هي طريقة إيديولوجية معروفة تعتمد منهج التفكيك والبنا، حيث يقوم المحلل بتفكيك الفكرة في ذهن السامع وتحويلها الي جزيئات وبنيات افكار ليقوم ببنائها من جديد بالطريقة اللتي يريد ,مخالفة للأصل تارة, ومغايرة له اخري ,وعلي عكس الواقع تماما اذا اراد , وهذا من بلاءات الإيديولوجيا اللتي ينبغي ان يتفطن لها , وقد تحدث عنها استاذهم كارل ماركس مشبها لها بشبكية العين حيث تظهر عليها الصور معكوسة لتصل الي الدماغ وتتم إعادة صياغتها هناك , وقد فهم عنه التلاميذ ما اشار اليه .. وفي رده علي سؤال حول علاقة الكادحين بالدين حاول العميد وكذلك فعل “ناجيه ” في مقاله المذكور ان ينسف ويكذب كل تلك الاقوال مدعيا ان كل ذلك هو مجرد اشاعات روجها الخصوم السياسيون واعون المخزن من الشيوخ والمشايخ اللذين ينتفعون من أعطياته ويستخدمهم عند الحاجة حسب تعبيره , الا انه لايستطيع منكر ان ينكر ان الكادحين كانوا يعتمدون في فكرهم وتنظيرهم وتكوينهم علي كتب ماركس ولينين وماووتسيتونغ وهي كتب انتشرت يومها في ايدي الشباب والعامة انتشار النار في الهشيم فلايكاد يخلو منها بيت او مكان في تلك الحقبة , وهي كتب موقفها من الدين ذائع شائع مشهور , ومن كلامهم المأثور في ذلك : ان الدين افيون الشعوب , وان الدين قيد يضعه الأقوياءالمتنفذون في ايدي الضعفاء لتسكينهم , وان الله وهم خلقه الانسان ليعلق عليه آماله -تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا , والكادحون كان مثلهم الأعلي في التدول هو الاتحاد السوفياتي اللذي تنص المادة الاولي من دستوره انه لا اله والحياة مادة , الخ كما انه قد صاحب المد والانتشار لحركة الكادحين بعض المظاهر المشهودة المعروفة فكثر السفور وقل الحيا، وانتهكت الحواجز وكسرت الخطوط الحمرا، وهجرت المساجد وقلت لقلة روادها وخولفت السنة فحلقت اللحي واعفيت الشوارب الي غير ذالك , واتذكر ان احد ضيوف هذا البرنامج الاستاذ الحسن ول مولاي اعلذكر انه حضر حفلا عاما من حفلاتهم وشاهد فيه امران أما أحدهما فلم يستطع البوح به , واما الاخر فكان امتهانا للمصحف الشريف , فما ظنك ايها القارئ الكريم بأمرين اخفهما تدنيس كتاب الله !! ? … ولعله من مآخذ الحركة علي الرئيس المختار انه سمانا جمهورية اسلامية واختار لنشيدنا الوطني ان يكون : كن للإله ناصرا @@ وانكر المناكرا , ولعمري انه من المناكر انتشار الكتاب الاحمر في دولة العلم الاخضر اللذي اختاره لنا المختار ورفاقه ليكون رمزا لإسلامية دولتنا فمن المعروف في دلالات الالوان في اعلام الدول ان اللون الاخضر يدل علي الاسلام كما في باكستان وايران والمملكة العربية السعودية وموريتانيا .., وبعد ان وصل العميد في حديثه الي حرب الصحراء لم يسهب كعادته ويطيل التفسير بل ذكرها وختم بسؤال عن سبب دخولنا لهذه الحرب وطلب ان يكون موضوع بحث وتنقيب , وكانه سؤال لم يجد جوابا وصرح بذلك , والحقيقة ان دخول موريتانيا للحرب ليس لغزا ولا يحتاج الي تنجيم ولافك طلاسم , بل هو امر مفهوم معروف موثق , حيث ان المغرب بعد ان سحب أطماعه في ضم موريتانيا أراد المختار برايه وحزمه ان يحمي الحمي ويختط الحدود حتي لاتعود حليمة لعادتها القديمة , فوقع مع المغرب الاتفاقية المعروفة بتقسيم الصحراء , و لكن الصحراء من الجانب المحاذي لموريتانيا ليست سوي قطعة من الاراضي الموريتانية بحكم التاريخ والجغرافيا وشهادة الانتروبولوجيا , والمختار رئيس موريتانيا وقد ادي القسم علي حفظ ترابها بكامل حوزتها وان لا يفرط في اي شبر منها والتزم بذلك امام مواطنيه , فما قام به ليس الا وفاءبمسؤوليته كرئيس للجمهورية الاسلامية الموريتانية , وللقسم والالتزام والمسؤولية عند الرجل بحكم الاصل والمنبت والثقافةمعني قد يختلف عن معانيها عند غيره , وقد يكون هذا هو السبب اللذي اذا عرف بطل العجب . اما حديث العميد عن الديمقراطية من حولنا وانه كان ينبغي للرئيس المختار ان يحذو حذو المغرب او السينغال وان يتأسى في الحكم بالرئيس السينغالي سيدار سينغور , فأما المغرب فانه لا ينقضي عجبي من رجل ثوري تحرري يدعوا للتأسي في الحكم ونهجه بالمملكات العتيقة ذات الملك الجبري العاض, واللتي ينص دستورها علي أن مجرد التفكير في الجلوس علي كرسي السلطة العليا هو خيانة عظمي يعاقب عليها بالإعدام , واما الرئيس سينغور فلا أدري من اين للعميد بديمقراطيته ? وهو اللذي حكم بلاده بكل فردية وانفراد بالسلطة والنفوذ ,ولا أدل علي ذلك من قصته مع رئيس وزرائه ممادوديااللذي عزله عن وظيفته لمجرد خلاف في الراي والسياسة , ثم اجبر برلمانه علي التصويت علي قانون سماه “ملتمس الرقابة ” اللذي يعطي للرئيس كل الصلاحيات في ان يفعل ما شاء، فيمن شاء، دون الرجوع الي اي كان , فعزل وسجن وحاكم رئيس وزرائه وحكم عليه بالإعدام !! فأيديمقراطية في هذا يا سيادة العميد ?? , ولكنا نحن من يدعوكم الي التاسي بجانب آخر بعيد من السياسة من جوانب شخصية الرئيس سينغور وهو الجانب الانساني والادبي وتحديدا في قوله في زميله ورفيق دربه “إيمي سيزار ” وقد كانا منذ الصغر علي طرفي نقيض في مجال الفكر والتوجه فيقول عنه الرئيس سينغور :” لقد قبلني كما أنا , ومعه لم اكن واثقا قط انني علي حق ” فمدحه بقبوله الآخر رغم الخلاف والتباين (قبلني كما انا ) ويمتن له بانه جعله غير معتد برايه ولا مؤمن حد اليقين بصحته !!! فهل تستطيعون ان تحفظوا هذا الميزان وتستخدموه مع الاحياء المغمورين فضلا عن الاموات الموهوبين ?? وللرئيس سينغور كلمة في وصفنا نحن الافارقة “باننا قوم يعيشون علي الحواس والعاطفة والانفعال بالدرجة الاولي وليس علي التحليل العقلاني للأمور ” ارجوا ان لا يكون هذا البرنامج وهذه الشهادة خير دليل علي صحة ماقال فينا الرئيس الشاعر المثقف اليوبولد سيدار سينغور … هذه بعض النقاط اللتي اخترت التعليق عليها من بين نقاط كثيرة تحتاج التعليق والتوضيح واحيانا كثيرة التمحيص والتصويب وردت في شهادة العميد محمد المصطفي ول بدر الدين , ولكني قبل الختام لايسعني الا ان انوه بان العميد محمد المصطفي ول بدر الدين و كذلك رفيقه محمدو الناجي والحركة الوطنية الديمقراطية (الكادحين ) بشكل عام ان لهم الفضل في تشكيل الوعي السياسي والنهوض بمستوي الفهم والادراك للإنسان الموريتاني وخاصة الشباب والجيل الوسط , وجلبهم من اودية اللامبالات ,وميادين الانفلات والغفلة والتسيب , الي ساحات الفعل والتفاعل والتأثير , مما اسس لوجود طبقة سياسية مثقفة واعية , لها القدرة علي الفهم والاستيعاب وعلي التخطيط والتنظيم , ظلت مصاحبة ومؤثرة في الفعل الحضاري للدولة الموريتانية منذ نشأتها وحتي اليوم , فلهم منا وباسم الوطن الموريتاني جزيل الشكر وكامل التقدير والعرفان … وأود هنا أيضا ان اوجه دعوة الي اللذين عايشوا فترة بنا، الدولة الموريتانية وحقبة الرئيس المختار رحمه الله , من الفاعلين او المنفعلين , ومن الدارسين والمهتمين ممن لهم شهادة تؤيد او تفند,مانسمع أونري أو نقرأ هذه الايام عن هذه الفترة واحداثها ورجالها , أن يتكلموا فينصفوا الحق وأهله , ويظهروا الحقيقة لروادها والباحثين عنها , وأذكرهم بقول الامام ابن القيم رحمه الله : ” إذا تكلم اهل الباطل بالباطل وسكت اهل الحق عن الحق , اشترك اهل الحق مع اهل الباطل في اضلال الخلق ” …. والسلام