قدم العلامة الموريتاني الشيخ محمد فال (الملقب أباه) بن عبد الله بن أباه، لكتاب جديد تحت عنوان (تراث الموسويين) من تأليف يعقوب ولد محمد موسى، المعروف بـ(اليحيوي الموسوي)، يتناول أعيان الموسويين، أمثال قاضي الترارزة المختار أشفغ موسى.
وكتب تقديم الكتاب الباحث الاجتماعي والمؤرخ الدكتور يحيى ولد البراء، ويقع المؤلف في حوالي 800 صفحة من الحجم المتوسط.
وجاء في تقديم العلامة الشيخ محمد فال (ابّاهْ) بن عبد الله للكتاب :
بسم الله الرحمن الرحيم.
وبعد، فإن من أنفع العلوم، وأحلى الفنون، وأقربها إلى النفس، وأسرعها تأثيراً في السلوك، وأنهضها للهمم، وحث الخَلف على الاقتداء بالسلف، ومزاحمته على الفضائل، واستشعار التقصير والنقص، وإبعاد العُجب والغرور، والترغيب في الفضيلة إذا ذكر أهلها منوهاً بهم متوجين بتاج الثناء أحياءً، وإن ماتوا لم يخلق ذكرهم، وإن قدم عهدهم، والتنفير من الرذيلة حيث بقي أهلها لعنةً لمن بعدهم.
أقول: من أنفع العلوم التعريف بالأعيان، ووفياتهم، ومواليدهم، وسيرهم، وشيوخهم، وتلامذتهم، وما اشتهروا به من فنون المعرفة..
وقد تفنن الناس في أساليب التصنيف، وطرق الجمع والتأليف، من آخر القرن الثاني الهجري في هذا كابن سعد في طبقاته، وسبقه إلى ذلك شيخه الواقدي، ولكل وجهة هو موليها، فمنهم من سلك طريق الجمع جامعاً بين الضب والنون، والملك والسوقة، والناسك والمتهتك، ومنهم من أفرد كل فريق بالذكر كطبقات القراء، والحفاظ، والثقات، والضعفاء، والفقهاء، والقُضَّاءِ، واللغويين، والنحاة، والأطباء، وأتباع المذاهب من مالكية، وحنفية، وشافعية، وطبقات المعتزلة، والشيعة… إلخ ذلك.
ومنهم من أفرد واحداً من هؤلاء، أو أهل بيت من بيوتات العلم المشهورة بالتصنيف، فقد صنف أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب صاحب السنن كتاب “خصائص علي”، وصنف أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم كتاب “آداب الشافعي ومناقبه”، وصنف ابن الجوزي كتاب “مناقب الإمام أحمد بن حنبل”، وكتابا في مناقب الحسن البصري، وآخر في فضائل سفيان الثوري، وآخر في سيرة عمر بن عبد العزيز، وانتقى أبو بكر أحمد ابن محمد الشافعي المعروف بابن قاضي شهبة مناقب الشافعي من “تاريخ الذهبي”، وصنف السخاوي كتاب “المنهل الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي”، وكتاب “الجواهر والدرر في ترجمة شيخه الحافظ ابن حجر”، وصنف أحمد بن محمد المقري “أزهار الرياض في أخبار عياض”، وكتاب “نفح الطيب في ترجمة لسان الدين ابن الخطيب”، وصنف العلامة العربي ابن يوسف الفاسي “مرءاة المحاسن من أخبار أبي المحاسن”: يعني أباه يوسف الفاسي الفهري، وقد كثرت التآليف في مناقب هذه الأسرة يوسف وأخيه عبد الرحمن، وأبنائه، وأحفاده لكثرة علمائهم، وصالحيهم، وتكرر الأسماء فيها، وتعدد المسمى حتى ألف فيها سلطان المغرب ابن سلطانه وهلم جرا أبو الربيع سليمان بن محمد بن عبد الله بن مولاي إسماعيل تأليفاً سماه “عناية أهل المجد بذكر آل الفاسي ابن الجد”، ووضعت له ذيول من بعض علماء المغرب، وصنف العلامة الطالب بن حمدون بن الحاج في مناقب والده ونسبه تأليفاً سماه “رياض الورد في ما انتمى إليه هذا الجوهر الفرد”، وغيرهم كثير، وهو في المشرق أكثر منه في المغرب
أما في بلادنا الشنقيطية فلم يُؤلف في التعريف بأعيانها جميعاً وأشتاتاً، إلا القليل، وذلك مما يؤخذ على أهلها، حتى تجد الرجل الذي ملأ الدنيا ذكره إذا مات لا تكاد تجد من يعرف عنه شيئا، كأنه لم يولد أصلاً، ولم ينتشر له صيت، و لا يخفى ما في ذلك من عدم الوفاء والبر
وإن من أحق من يستحق أن تفرد ترجمته بالتأليف، وينشر ما اشتملت عليه من تليدٍ وطريف، شيخ الإسلام، وعلم الأعلام، المعروف بين الخاص والعام، القاضي حين كان القضاء لا يقدم له إلا الأعلم الأورع، مع كثرة العلم والورع في الزوايا في ذلك الوقت، العلامة الشهير: محمد موسى ابن أحْمَيَّدْ رحمه الله تعالى، وقد قام بهذه المهمة والحق المؤكد حفيده يعقوب حفظه الله تعالى، فجمع في ذلك تأليفاً عنوانه: “خَبرُ الموسويين المتأيّدْ, بتزكيات القاضي محمد موسى بن أحْمَيَّدْ
فذكر فيه تاريخ ولادته، وطلبه للعلم، وشيوخه، ونسبه، وحرر انتساب بني يعقوب للنسب الجعفري، ناقلاً كلام علماء البلاد، ومؤرخيها ذاكراً طَرفاً من تاريخ بطن الشيخ آل أشفغ موسى، وعلاقاتهم بأمراء البلاد، وتوليتهم منصب القضاء المسلسل حديثه فيهم بالآباء والأجداد، معززاً ذلك بالوثائق
ومن أطرف ما اشتمل عليه تزكيات الشيخ محمد موسى بخطوط كبار العلماء من معاصريه، ماثلةً أمام القارئ بخطوطهم المعروفة، وكل واحد منهم يكفي وحده، فكيف بالجميع، وهو شيء لا أظنه الآن يوجد عند أحد، والشيخ محمد موسى لم يرث القضاء عن كلالة، وهو المُعَمُّ المُخْوَلُ، فآباؤه هم القضاة العادلون، تحيط بهم من ذويهم العلماء العاملون المفتون منهم، والمدرسون، فلا تكاد تلتفت إلى جهةٍ فيهم إلا رأيت من يملأ العين، ويمتعُ الأذن علماً، وأدبا،ً ونبلاً.
فهم أحق بقول فاطمة الخرشب لما سئلت عن بنيها: الربيع، وزيد، وأنس أبناء زياد العبسي أيهم أفضل؟ فقالت: «ثَكِلتهُم إن علمته هم كحلَقة مفرغة لا يدرى أين طرفاها».
سراة بني موسى حماة القضا أصلا *** فكم قد حوى حكم القضاء بهم فصلا
وما لهم عن منهج الحق صارف *** فكيف وقد ضموا لمعرفة عَدلا
تقاصر عن يعقوب كل مساجل *** فما إن ترى غربَ المسامي لهم سجلا
فلا زال فيهم عامرٌ وابنُ عامرٍ *** بيوتَ العلا يعلو بهن إلى يعلى
لهم نسب طال الطوال لأنه *** تسامى لطيارٍ مع الملإ الأعلى
أجلاؤكم أثنت أجلا عليهم ***وذو الفضل بين الناس من يعرف الفضلا
سميُّ حبيب الله ثم كليمه *** له من شهادات الأماثل ما يُتلى
وأخبارُ أحبارٍ خضارمَ قادة *** كروضٍ نضيرٍ لا تملُّ إذا تمُلى
أتانا بها يعقوبُ مسندةً إلى *** ثقات رواةٍ ما أجل وما أجلى
رحم الله تعالى السلف، وبارك في الخلف.
كتبه: محمد فال (ابّاهْ) بن عبد الله)).