الحاكم: الطريق الجديد سبب رئيسي للفيضان، والسكان يضعون حواجز رملية توجه مسارات المياه لمساكن بعينها
النعمة ـ الرجل بن عمر
أدت موجة فيضانات عنيفة عرفتها مدينة النعمة، شرقي موريتانيا، إلى تدمير عدد من المباني السكنية وتشريد أعداد غير محددة من الأسر قضى بعضها ليلته بدون مأوى.
وتوجد أغلب المساكن المتهدمة والتي غمرتها السيول يوم الجمعة الماضي (6 يوليو) بحي القديمة الذي يشقه المحور رقم 12 من الطريق الرابط بين حي الجديدة وكلبه شمال المدينة.
ويعيد السكان المتضررون موجة الفيضانات الأخيرة التي أعادت للأذهان شبح “أتسونامي” السنة الماضية، للطريق الجديد الذي تشرف عليه الشركة الوطنية لصيانة الطرق ENER؛ بعد أن هدمت عشرات المنازل السنة الماضية
واقع مفزع ومستقبل غامض
من جهتها لا تفرق فاطمة الزهراء منت بدغته؛ وهي إحدى المتضررات بين ما قامت به الشركة الوطنية لصيانة الطرق ENERوالحكومة الموريتانية التي فوضتها في شق الطريق الذي كان بداية فصل معانات يلاحق السكان مع باكورة أي تساقطات مطرية.
تقول فاطمة الزهراء بشيء من الغضب “لم يضف لنا الطريق غير الضرر ثم الضرر؛ فقد أصبحت المياه بعد حبسها عن مسارها الطبيعي تغمر مساكن الحي؛ وتسبب الفيضان الأخير في تدمير بيتين كنت بأحدهما بعد أن نجوت بأعجوبة وأنا أهم بانتشال بعض الأغراض”.
ولدت فاطمة الزهراء وتربت وأنجبت أبنائها في بيت عريق يتوسط حي القديمة، غير أنها باتت اليوم شبه مشردة بسبب الدمار الذي لحق بأسرتها ومسكن جدتها التسعينية التي واجهت خطر الموت لإصرارها على البقاء في بيت تغمره المياه.
ولا تخفي سيدة أخرى تدعى مالا بنت مالا؛ تسكن في الطرف الموازي من الحي حزنها لتهدم أجزاء كبيرة من أحد بيوت منزلها ويأسها البادي من تدعيم الطبقة العلوية لتربة المنزل؛ لكن مصيبتها كانت أعمق في ظل الفيضان الأخير إذ لا زالت المياه تغمر منزلها حتى أثناء زيارتنا لها.
تقول مالا؛ إن المياه باغتتها وأطفالها من أسفل قاعدة المنزل؛ ولم تمض دقائق حتى غمرت جميع أجزائه مما أفزع الأطفال وهدد حياتهم تحت قوة السيول التي كانت تجرف كل ما يأتي في وجهها في مشهد تصفه مالا بالمخيف.
تضيف مالا وسط حالة من الحيرة والشرود “مثل هذه الفيضانات لم نعهدها طوال الـ 50 سنة الماضية؛ ومع شق الطريق الحالي دخلت حياتنا دوامة معانات حقيقية؛ بل وأصبحنا نتشاءم من موسم الخريف”، وفق تعبيرها.
ورغم جو الفاجعة التي تعيشها بالا؛ إلا أنها أعربت لصحراء ميديا عن شكرها للجيران الذين قدموا لها يد المساعدة في انتشال زوجها المريض والسماح لها بالمبيت إلى جانب الصغار حتى الصباح.
موسى جالوا؛ شاب من أبناء حي القديمة يتساءل في ثورة غضب عن وجاهة الأسباب التي تضفي الشرعية على السلطات المحلية بالمدينة؛ مؤكدا في سياق حديثه لصحراء ميديا أن تعامل السلطات مع ضحايا الفيضانات هو أمر مؤسف للغاية.
جالو؛ تساءل كذلك عن حق الإنسانية حيال المأساة مثمنا تضامن الجيران بعد أن عدموا تدخل الحماية المدنية؛ التي لم يثر فضولها ما يكابده السكان وكأنهم في كوكب آخر؛ بحسب تعبيره.
في شهادة لصحراء ميديا أكد؛ قابر ولد أنتيه؛ وهو مسن بحي القديمة أن أكثر من 30 مسكنا تهدمت بالكامل بحي القديمة وأجزاء من حي “كلبه” وحي السوق..
ورغم أنه لم يسجل إصابات في الأرواح جراء الفيضانات الأخيرة؛ إلا أن قابر حذر من مغبة تغاضي السلطات عن الوضع الراهن؛ لأن المدينة مقبلة عن موسم أمطار غزيرة بحسب المؤشرات المناخية.
وطالب بإجراء تعديلات جذرية بالطريق الجديد للتخفيف من قوة السيول المدمرة التي أغلقت ممراتها التي ظلت تسلكها منذ أكثر من 50 سنة.
وأضاف في سياق شهادته لصحراء ميديا أن موجة النزوح الحالية التي لجأت إليها بعض الأسر الميسورة تسد الطريق أمام أسر أخرى تعيش فقرا مدقعا يتطلب سرعة التدخل قبل تفاقم الكارثة.
السلطات ترقب المأساة
ووسط حالة ذهول تزيد من صدمة السكان جراء الآثار التي يصفونها بالكارثية؛ ومطالبة بعضهم باقتلاع الطريق أو تعديل مساره؛ إلى جانب تلويح آخرين بالترحيل إلى أماكن أكثر أمنا؛ تصرف السلطات المحلية معظم وقتها في مراقبة الوضع.
ويعترف حاكم المقاطعة؛ المختار أنجاي؛ بمسؤولية الطريق الجديد في تشكيل الكتل الرئيسية للفيضان؛ مستدركا بالقول إن “السكان يزيدون من أضرار الفيضان عبر بنائهم حواجز رملية توجه مسارات المياه لمساكن بعينها”.
وفي سياق حديثه لصحراء ميديا لم يبد حاكم المقاطعة إجراءات ملموسة لإغاثة المتضررين؛ عدا حديث عن زيارة ميدانية نظمها للحي المتضرر؛ حيث رصد 4 أسر غمرتها المياه وتهدمت منازلها بشكل كامل.
ويقول إنه يعمل حاليا ضمن ما يصفه بخلية أزمة لاتخاذ إجراءات ملموسة أشفعت بقيام عمال ENER بشق ما يصفه بمفرجات مياه في نقاط قوة تدفع الفيضان، وذلك في ظل غياب تام للحماية المدنية التي تطالها انتقادات المتضررين.