صحراء ميديا تتجول داخل “مملكة الصم” في احتفاليتهم الرابعة بمهرجان: اسمعوا فيه واستمعوا… واستمتعوا..!
نواكشوطـ سعيد ولد حبيب
عند بوابة فضاء التنوع الثقافي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط كان علينا ان نتوقف عند اجراءات تنظيمية لافتة ليس هنالك عسس ولا درك يصدرون الأوامر..
ثمة منظمون صامتون شباب وفتيان مفتشون يقظون، يتحدثون بقوة في صمت مهيب، لكنهم لا يتحدثون بلغة صاخبة، كل الاستعلامات المطلوبة من أي زائر تتم تلبيتها في هدوء ولكن بحيوية وسرور: يحرك احدهم يديه نفهم مباشرة مقصده: تفضل يقول الحارس الاصم بلغة الاشارة، نتجاوز الحاجز الاول نكسر معه حاجزا من الكثير من الحواجز التى لطالما فرضت حول تلك الشريحة من المجتمع.. نعبر في طريقنا الى جوانب ترفيهية ورياضية ونفسية خصصت لاحتفالات الصم الموريتانيين بالتظاهرة الرابعة للاسبوع الوطني للصم، يختلط الصم بالناس العاديين … كل شيء يتحرك يتكلم .. يعبر ويتفاعل ..
كان ذلك بمناسبة اختتام فعاليات الاسبوع الوطني للصم الذي شهد في نسخته الرابعة فعاليات مختلفة، قطع خلالها الصم الموريتانيون أشواطا بعيدة في اتجاه الاندماج ورفع حواجز الصمت حيالهم، قدم الاطفال السامعون ليلتحموا باصدقائهم، هنا وجد بعضهم الفرصة لاكتشاف صداقات جديدة، فخرج وقد أضاف الى دفتر عناوينه اصدقاء جددا و بعضهم بدا يحتفظ بصور تذكارية في موبايله، او حاسبوه الشخصي.
هزيمة ريال وانتصار الصم
بينما كان انصار النادي الملكي الاسباني يذرفون الدموع حزنا على هزيمة فريقهم في بطولة اوروبية كان فريق الصم لكرة القدم يصنع انتصارا هو الاول من نوعه خلال مباراة ودية جمعته بفريق كرة قدم من الهواة السامعين..
نقص الحاسة لم يمنع الصم من تجاوز الاختبار والفوز بثلاثية نظيفة.
مظهر من مظاهر الاندماج كان جليا خلال فعاليات المهرجان، الحدث البارز بالنسبة لتلك الشريحة هو تمكنها من متابعة اخر الاخبار عن موريتانيا من خلال أول نشرة اخبارية بلغة الاشارة استحدثتها التلفزة الموريتانية.
الاخبار الوطنية والتطورات الجارية في البلاد اصبحت مشاعة بين الجميع، ولم تعد حكرا على فئة دون اخرى، يقول لنا أحدهم وهو يتابع باهتمام بالغ تفاصيل اول نشرة اخبار بلغة الاشارة: يغيب عنا الكثير من الاحداث الوطنية … نعرف اكثر عن احداث العالم من حولنا لان فضائيات عربية تقدم نشرة للصم، انا سعيد لأنني سأتابع من الان الاحداث في بلادي، وأكون على اطلاع بها، يعلق لنا احدهم.
تميزت فعاليات الاسبوع الوطني للصم بتنظيم مسابقات، والعاب رياضية وترفيهية، وتوزيع جوائز قيمة، وشهادات تقديرية .
الرقص … والغناء
تخيل انهم يرقصون ويطربون ويفرحون … انتظمو ا في حركات بهلوانية على طريقة الباليه، كانوا يتمايلون على انغام مطرب شعبي وهب نفسه وفنه لمساعدة المحتاجين، خرج مورينس بينزا من تجربة السجن والمخدرات تائبا نادما وهو اليوم ادخل الفرحة لهؤلاء الصامتين يلعق لنا احد اعضاء فرقة موزنا.
تعانقت الالحان مع رقصات الصم الذين قدموا عروضا فلكلورية اسمعت صوتهم الكامن خارج فضاء التنوع الثقافي، فشدت انتباه المارة الذين كانوا يدخلون فرادى وجماعات طيلة امسيات الاسبوع.
ألعاب الشطرنج كانت حاضرة بقوة في محيط فضاء التنوع الثقافي، تلك الرياضة الذهنية التى تتطلب ذكاء وقوة بديهة شكلت فرصة للتباري بين اصحاب المواهب، وبين صمت الأصم وصوت العقل تمكنت احدى المتسابقات وتدعى “أسماء بنت محمد موسى” من الفوز بالمركز الاول في مسابقة الشطرنج لتنال جائزتها في الدوري المنظم على هامش الفعاليات .
منظمو التظاهرة من المنتدى الموريتاني للصم كانوا مسرورين للتقدم الحاصل باتجاه دمج الصم في مجتمع الأسوياء، “استطاع الصم تجاوز عقبات عديدة، فهم اليوم نجحوا في تغيير نظرة المجتمع لهم وقد بذلنا جهودا حثيثة لإقناع الجهات الرسمية بالتعاون، ومن نتائج ذلك بث اول نشرة اخبارية بلغة الاشارة عبر شاشة التلفزيون” تقول لنا عائشة بنت اباه مسؤولة الاعلام في المنتدى.
المنتدى الموريتاني للصم تمكن خلال الفترة الماضية من اصدار مجموعة من القواميس الخاصة بالثقافة الشعبية الموريتانية و قواميس أسماء خاصة بالولايات و المدن الموريتانية، هي من اعداد الصم انفسهم .
لكن الصم بحاجة للمزيد من الجهود وتطبيق العديد من الاتفاقيات والعقود الدولية التى لا تساعد في فك العزلة عنهم بطريقة مباشرة، ولكنها تساهم ايضا في ابراز قدراتهم ومواهبهم ليساهموا في التنمية بفعالية.