ربيعة بنت محمد الامين
الحمد لله وكفى الصلاة والسلام على الحبيب النبي الهادي المصطفى
وبعد:
الحمد لله القائل :[ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)]
والقائل [الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) 3
قال صلى الله عليه وسلم : « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَىُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ».صحيح مسلم
ولا ينجوا منها إلا من أنجاه الله ورزقه نور البصيره قبل البصر وأرشده إلى إتباع النهج النبوي السديد والثبات عليه مهما همت النفوس وتحكمت بها الأهواء وعصفت بها الأطماع والرغبة وحب فتات الدنيا الزائلة.
فسبيل المؤمن هو التمسك بالمحكم من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الزيغ عنه إلى المتشابه أو التأول , فسفينة النجاة أرساها لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم , قال صلى الله عليه وسلم [ ومن اتق الشبهات فقد ستبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام]
وقال صلى الله عليه وسلم ” تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ” الموطأ.
منذ زمن وأصابع خفية تعمل في الخفاء تحاول اختراق الصف السلفي بشتى أنواع المكائد والإغراءات , واليوم تكشف الحجاب عن أسلوبها الجديد ولكنه في خبثه يشبه القديم , تريد من خلال الديمقراطية إدخال السلفية في المعترك السياسي , وكأننا كنا في منء عنه , إن ديننا بين لنا بأن لا إله إلا الله هي سياسة من ألفها إلى يائها ولكنها سياسة من منطلق الشريعة الإسلامية بدستور رباني قال تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) لا بدساتير الكفر والإلحاد والأهواء.
ولكن هيهات هيهات أن يكون لها ما أرادت فإن كان سجن طائفة من دعاة التوحيد وحراس العقيدة تمهيدا لهذا المخطط فإنه لا زال في الساحة الدعوية أبطالها وهم بالمرصاد لمن يكيدون للأمة المسلمة حتى يفضحوا أساليبهم ويردوا كيدهم في نحورهم.
فلكم يا حماة الدين وحراس العقيدة ولشيخنا الوقور الشيح احمد ولد الكوري تحية أمتنان وتقدير واحترام , نسأل الله العظيم أن يثبتنا وإياكم على الحق.
فلقد أثبتم بأن السلفية في موريتانيا هي الرقم الأصعب والحصن الأمنع الذي على عتبته تتلاشى أحلام المتساقطين و تسقط أقنعة المنبطحين وبأننا لا ننخدع كما أنخدع إخواننا السلفيون في تونس ومصر الكويت وقبلهم إخواننا في فلسطين,
ولإخواننا المتساقطون نقول اصبروا على دينكم فو لله الذي لا إله إلا هو إن التمكين لقريب وإن علاماته لتلوح في الأفق,يقول الشيخ أبوا المنذر الشنقيطي حفظه الله:
{لم تكن الديمقراطية في يوم من الأيام طريقا لإقامة حكم إسلامي، ومنذ أن عرفت بلاد الإسلام الديمقراطية إلى اليوم لم تنشأ دولة إسلامية انطلاقا من هذا النظام!!
وإذا كان ” الإسلاميون ” الذين يروجون للنظام الديمقراطي يعتقدون بأن النظام الإسلامي – نظام الخلافة والحكم بما أنزل الله- أفضل من النظام الديمقراطي وأمكن في تحقيق العدالة والحرية، فلماذا لا ينشغلون بالدعوة إليه والسعي إلى تطبيقه بدلا من الانشغال بالدعوة إلى الديمقراطية ؟
ولمصلحة من يقوم هؤلاء ” الإسلاميون ” بالتعمية على مفاسد الديمقراطية ومحاذيرها الشرعية والمبالغة في تضخيم محاسنها حتى زعموها تطبيقا عصريا لنظام الشورى!!
إن من التجاسر على شرع الله والافتئات عليه أن نعطي لأنفسنا الضوء الأخضر في إقرار التحاكم إلى غير شرع الله ثم ندعي كذبا أن هذا ما لا يمكن سواه، وأننا مضطرون!
الحقيقة المرة التي لا بد من الصدع بها هي أن الولوج إلى الديمقراطية يعني الخروج من الإسلام..
فالديمقراطية ليست إلا عبارة عن وحل أوقف مسيرة الدعوة إلى تطبيق شرع الله أو انحرف بها عن المسار الصحيح.
ولبيان ذلك كتبنا هذه السطور لعل الله أن يشرح لها صدور بعض من خدع بالمنهج الديمقراطي ويهديه إلى صراطه المستقيم.
” الديمقراطية ” نظام غربي النشأة غربي القيم غربي الصورة…
لا يخالفنا في ذلك أحد..
النتيجة النهائية لهذا النظام هي إعطاء الحاكمية للبشر لا لله..
والتعريف البسيط له هو: حكم الشعب بالشعب…
لكن بعض المفتونين بهذا النظام يريدون منا أن نفهم شيئا آخر:
يريدون منا أن نفهم أن ” النظام الديمقراطي ” الغربي توجد منه نسخة إسلامية لا تتعارض مع الإسلام!
ويريدون منا أن نفهم أنه يمكن أن يكون الحكم للشعب ومع ذلك تظل الحاكمية لله وحده!
ويريدون منا أن نفهم أنه يمكن للمسلمين أن يقتبسوا نظم الحياة ومناهج الحكم من الغرب “العظيم” .. دون أن يكون ذلك تقليدا لهم أو اتباعا لسننهم!
ويريدون منا أن نفهم أن نظام الحكم في الإسلام ليست له قواعد محددة أو شكل ثابت بل يتقلب مع تقلب الزمان والمكان؛فقد يكون على هيئة الخلفاء في زمن الخلفاء الراشدين … وقد يكون شبيها بنظام الحكم في أمريكا أو فرنسا أو غيرها من دول الكفر ! ـ
ويريدون منا أن نفهم أن سن القوانين والتشريعات من طرف ما يسمي بالسلطة التشريعية لا يتنافى مع الشريعة الإسلامية!
ويريدون منا أن نفهم أن الشورى هي الديمقراطية .. والديمقراطية هي الشورى لا فرق إلا في الاسم!
ويريدون منا أن نفهم أن المصلحة العظمي في تربعهم على كرسيِّ السلطة أكبر من جميع المصالح الدينية بما في ذلك توحيد الحاكمية!
ويريدون منا أن نفهم أن الشريعة التي جاء بها محمد صلي الله عليه وسلم لا يمكن في هذا العصر تطبيقها إلا عن طريق ” نظرية العقد الاجتماعي ” التي جاء بها ( جان جك روسو) .
ويريدون منا أن نفهم انه يمكن أن تسود فينا القوانين الوضعية وأنظمة الحكم الطاغوتية ثم نظل بعد ذلك مسلمين ([1]) !
هكذا يريدون منا أن نفهم..
لكننا فهمنا ما هو مخالف لذلك تماما:
– فهمنا أن الأمة لم ولن تجتمع على ضلالة أبدا..
– وفهمنا أن الإسلام الذي كلفنا الله به هو ما كان اقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم شبرا بشبر وذراعا بذراع في كل شأن من شئون الحياة بما في ذلك أهمها وأعظمها : ” نظام الحكم” .
– وفهمنا أن الدعوة إلى الله لا تعني استنفاد كل الوسائل بغض النظر عن كونها شرعية من أجل الوصول إلى الحكم، وإنما تعني بيان الدين وإبلاغه للناس مهما كان غريبا في واقعهم ومهما كان شديدا على أنفسهم.
– وفهمنا أن الله عز وجل تعبدنا بإقامة الدين قبل إقامة الدنيا وترسيخ العقيدة قبل الوصول إلى الحكم.
– وفهمنا أن إقامة الدين في واقع الناس لا يكون باستجداء الباطل والركون للظالمين والتخلي عن مبدأ الولاء والبراء.
– وفهمنا أن النجاح في الدعوة لا يعني تحقيق النتائج والحصول على المكاسب بقدر ما يعني تطبيق الأمر الإلهي والإصابة في العمل.
– وفهمنا أن الخلط بين ” الشورى ” و ” الديمقراطية ” خلط بين الإيمان والكفر والحق والباطل.
– وفهمنا أن الدعوة إلى الالتزام بالديمقراطية تعني الدعوة إلى مفارقة الإسلام وأن الاقتراب من الديمقراطية يعني الابتعاد عن الإسلام.
– وفهمنا أن ممارسة ” الشورى ” عن طريق ” الديمقراطية ” هي من باب ممارسة الشيء بنقيضه وفتح الباب بمغلاقه وإطفاء النار بالزيت.
هكذا فهمنا الديمقراطية، وهكذا هي حقيقتها كما يشهد الواقع . انتهي كلامه حفظه الله.
_ فإن كان الشيطان زين لكم بأن في الديمقراطية مصالح فإن في ما كتبه الشيخ أبو عبد الرحمن الشنقيطي حفظه الله شفاء حيث كتب:
أما الذين يدعون بأن المشاركة في هذه الديمقراطية فيها مصلحة عظيمة من أجل إصلاح ما أمكن من خير وتقليل ما أمكن من شر فنقول لهم القضية ليست قضية مصلحة ومفسدة وربح وخسارة بل هي قضية إسلام وكفر وتوحيد وشرك..
فمن كان يؤمن بوجوب إفراد الله بالحكم فلا يحل له أن يتنازل عن هذا الأصل العظيم الذي هو من أركان التوحيد بحجة المحافظة على بعض المصالح الثانوية الموهومة..
فما من مصلحة أعظم من المحافظة على توحيد الله عز وجل وتعليمه للناس وتربيتهم عليه..
وأعظم خسارة وأكبر مفسدة أن نخل بالتوحيد من أجل الحصول على بعض المصالح الموهومة..
وإذا أخللنا بالتوحيد فما قيمة المكاسب الأخرى ؟
وكما أن من شروط تغيير المنكر ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه، فكذلك من شروط إيقاع المصلحة ألا تؤدي إلى مفسدة أعظم منها:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “والحسنة تترك في موضعين: إذا كانت مفوّتة لما هو أحسن منها، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة” [ج20 ص –53]
وقد أشار الشيخ محمد قطب إلى بعض المفاسد التي تستلزمها الديمقراطية بقوله:
(حين ندخل في لعبة “الديمقراطية”، فإننا نخسر كثيراً في قضية لا إله إلا الله.
أول ما نخسره هو تحويل الإلزام إلى قضية خيار تختاره الجماهير، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب: 36).
إن قضية عبادة الله وحده بلا شريك، وهي قضية لا إله إلا الله، معناها أن يكون الله هو المعبود في الاعتقاد، وهو المعبود في الشعائر التعبدية، وهو المشرع، وهو مقرر القيم والمعايير، وهو واضع منهج الحياة للناس. وهي قضية إلزام لا خيار فيها للمسلم ما دام مقراً بالإسلام، { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (النساء: 65). انتهى كلامه حفظه الله
إخواننا إن لكم علينا حق النصح فقد ينصح الأدنى من هو فوقه وإنما دافعنا الحرص عليكم فنحن جسد واحد كما مثلنا صلى الله عليه وسلم,
ونحسبكم تحبون الحق وهو ضالتكم ,قال تعالى ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا)
نحسبكم كذلك والله حسيبكم .
والحمد لله رب العالمين.