وتضمنت هذه الحملة التي أتعرض لها أن مديرا بوزارة الصيد والاقتصاد البحري تم إقصاءه من الوفد الموريتاني المكلف بالمفاوضات المتعلقة بتجديد اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي، بسبب أنه سرب إلي معلومات أرفعها بدوري إلى علم رئيس الوفد الأوروبي.
لذا كان لزاماً علي أن أوضح للرأي العام الوطني ما يلي:
- أود بادئ ذي بدء أن أؤكد أني لا أعرف رئيس الوفد الأوروبي المفاوض الذي ليس بيني وبينه سابق معرفة ولا تربطني به أية صلة شخصية لا مباشرة ولا غير مباشرة، ليكن واضحا إذن أن المفاوضين الأوروبيين ليسوا في محيط نفوذي ولا حتى علاقاتي.
حتى لا يقع أي التباس ولا مغالطة، تجدر الإشارة إلى أن سياسة الصيد في نظام الاتحاد الأوروبي من صلاحيات المفوضية وليس الدول الأعضاء وبالتالي أن المفاوضات المذكورة لا يتولاها ملاك البواخر الخواص، وإنما موظفين من المفوضية يفترض بحكم موقعهم استقلالهم عن الدول الأعضاء وبالأحرى عن أرباب السفن الخواص.
- غني عن البيان أني أعمل فعلا مع شركاء تجاريين خواص هم ملاك بواخر ومصانع صيد أوروبيين معروفين ومحترمين في بلدانهم تربطني بهم علاقات صداقة وثقة واعتبار سابقة في واقع الأمر لأول اتفاقية صيد بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي تم إبرامها سنة 1996. لقد نسجنا هذه العلاقات التي لا يشوبها أي جرم ولا مخالفة للقوانين ولا معاداة للوطن على مر 30 سنة من التعامل المهني والثقة و الصداقة.
وحري بنا أن نذكر هنا أن ملاك البواخر الخواص الأوروبيين لا يأتون إلى موريتانيا سعيا وراء الامتيازات والتسهيلات الاستثنائية كما لم أدعي يوما، فيما يخصني أية مقدرة على منحهم إياها، هؤلاء مهنيون مخضرمون يبحثون عن مناطق صيد تضمن لهم فرص نشاط مربح في ظل شرعية مطلقة على أساس اتفاقيات ومعاهدات رسمية تكرسها وتشرعها نظم وقوانين الدول المضيفة.
- وكان رئيس الجمهورية، أثناء مؤتمر صحفي عقده مؤخرا بنواذيبو، قد أوضح بكثير من الذكاء ونفاذ البصيرة، بصدد تجديد اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي: “أتوقع أن يدافع الأوروبيين بشراسة عن مصالحهم وسندافع بشراسة عن مصالحنا لكنني واثق من أننا سنتوصل في نهاية المطاف إلى اتفاق يصون المصالح الأساسية للطرفين”. هكذا تم رسم إطار واضح للمفاوضات.
فملاك السفن والمفاوضون الأوروبيين أغنياء عن الوكلاء البحريين، بمن فيهم شخصي المتواضع، لحماية مصالحهم. فهم أدرى الناس بها وأجدرهم بصيانتها كما لا يريد الوكلاء البحريين أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك خلافا لما يدعيه بعض ذوي النوايا السيئة. فدورهم، الذي يقتصرون عليه، ينحصر في تمثيل ملاك البواخر لدى الإدارات المختلفة وتقديم الخدمات والمساعدة لسفنهم.
- ثم أية أسرار ومعلومات خفية يُخشى وصولها إلى المفاوضين الأجانب ؟ فمفاوضات دولية مثل هذه ليست لعبة مراوغات ولا خداع يحاول كل طرف فيها إبداء ذكاء أكبر أو قدرة على التحايل والمغالطة بل تجري المفاوضات الدولية في العلن بصراحة وصدق وشفافية. إذ تكمن أسباب النجاح في صلابة الملف واستيعاب محتوياته والإحاطة بفحوى مكوناته والقدرة على الإقناع من خلال مبررات فنية وتجارية دامغة، بالإضافة إلى مستوى وقوة العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين.
يستحسن بطبيعة الحال للموظف السامي الموريتاني المشرف على هذه المفاوضات علاوة على التشبث بالمصلحة العامة، التحلي بالهدوء والمثابرة وحسن الخلق.
وعلى العكس من ذلك ينجم عن التعالي والغطرسة والغرور تشنج في العلاقات البشرية بين المفاوضين يؤدي إلى نتائج عكسية.
فلا يحتاج الموظف السامي إلى التبجح بقوته والتباهي بمناسبة أو بدون مناسبة، بالثقة التي يزعم التمتع بها. إن سلوكا من هذا النوع أقرب إلى المحسوبية واستغلال النفوذ منه إلى الولاء والوفاء.
أخلاق ومسلكيات كبار وكلاء الدولة تتمثل في التواضع والتحفظ ونكران الذات إذ لا يعتبر من كبار وكلاء الدولة من لا يدرك أن قيمته أقل من العدم لو لم يرتدي رداء السلطة العمومية.
أما اختطاف الأبوية الفكرية للتوجهات السياسية للجمهورية وإنجازات الدولة بدون حق على أعمدة الصحف والمواقع، يفتقر إلى الحد الأدنى من التواضع ونكران الذات.
- لن يفوتني التذكير بأن هذه الحملة ليست وليدة الصدفة حيث اعمل في قطاع صيد الأسماك منذ 1979 وأزاول مهامي بشكل اعتيادي إلا أنني منذ 2005 أتعرض لحملة مسعورة من المضايقات يقودها موظف سام بوزارة الصيد والاقتصاد البحري تسلم منصبه في تلك الفترة وظل شركائي الروس والأوروبيين يتعرضون لكل أنواع المضايقات وعرقلة نشاط بواخرهم عن طريق الاستخدام المفرط لسلطة الدولة.
وبلغت هذه الحملة ذروتها سنة 2013 عندما اشعروا زورا وبهتانا بوجودي على لائحة سوداء مزعومة لدى الدولة الموريتانية.
والواقع أن شركائي غير مستهدفين لذواتهم كما لو كانوا غير مرغوبين، بل هم موضع تودد ومغازلة دائمين بالضبط من طرف ألائك الذين يضايقونني، المقصود هو علاقتي بهم ونشاطي الذي يراد تحطيمه والقضاء عليه.
خلافا لما يظنه هذا الموظف الذي ينصب لي العداء بلا سبب، قد تشكل المجاهرة بالكراهية والاحتقار اتجاه القطاع الخاص ووكلائه برهانا على سياسة قمعية (انتقائية في الغالب) لكنها لا تمثل قطعا في حد ذاتها سياسة اقتصادية ناجعة.
ولن أترك في الختام حكر حب الوطن لهذا الموظف السامي الذي يملأ كافة المواقع ويملك أوسع الصلاحيات كما يزعم والمغرور بمعرفته لجميع المواضيع.
فمنذ نعومة مراهقتي، وأنا مناضل فتى حينها، تربيت على مشاعر التعلق والاعتزاز بالوطن والقرب من المواطنين ويشهد من يعرفني أن شخصيتي لم تتغير كثيرا على هذا الصعيد على الأقل.
ميلود ولد لكحل