كانت أجواء مدينة نواكشوط شتوية، زخات المطر تتساقط بين الفينة والأخرى، والشمس دافئة على غير العادة، كل ذلك كان مغرياً لآلاف الموريتانيين الذين وجدوا متعة خاصة في التوجه نحو ملعب « ملّح »، وحضور حفل إعلان ترشح الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد ببكر، فالرجل الذي غاب عن ميدان السياسة منذ 12 عاماً ها هو يستعد للعودة بحثاً عن مقعد الرئيس.
أما عشرات الصحفيين فقد رابطوا في الملعب يراقبون الاستعدادات للحفل، فأغلبهم حضر حفل ترشح الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع السابق محمد ولد الغزواني، ولا بد من عقد مقارنة بين اثنين من أبرز المتنافسين حتى الآن في الانتخابات الرئاسية، وما دامت المواقف ملتبسة حول مؤهلات الرجلين ومميزاتهما، يبقى الحفل بالنسبة لهؤلاء الصحفيين فرصة للمقارنة والقياس.
كان الحفلان يتشابهان في الكثير من التفاصيل، رغم جنوح القائمين على حفل غزواني إلى البساطة وعدم التعقيد، فطيلة الحفل لم يخطب في الميكرفون أي شخص سوى المرشح، مع وجود وصلات موسيقية تقليدية موريتانية وبعض ألحان الرحباني للفنانة فيروز، أما حفل ولد ببكر فكان أكثر حيوية وصخباً، إذ كان الميكفرون عند منعش للحفل يترنم بالأشعار المخلدة لموريتانيا وشنقيط، والشعارات المعارضة للسلطة، ويتعاقب معه على المنصة فنانون شباب يرقصون أكثر مما يغنون.
على إيقاع الطبول الأفريقية الصاخبة، بدأ الجانب الموسيقي من حفل إعلان ترشح ولد ببكر، البداية كانت مع فرقة الراب « سنيكيم فاميلي » التي حاولت أن تلهب حماس الجماهير، لكنها لم تفلح في ذلك، فالحضور حينها كانوا منشغلين بالبحث عن أماكن في الملعب.
لكن « سكايب ولد الناس »، وهو فنان شاب يرتدي قناعاً أسودا، اشتهر بأغانيه المعارضة لحكم العسكر، نجح في جذب الجمهور وتحريكه معه بأغانيه التي تهاجم النظام الحاكم والمرشح محمد ولد الغزواني، وكرر في أكثر من مرة أن ولد عبد العزيز هو من رشح ولد الغزاني، محملاً الرجلين ما قال إنه « غياب الأمن » و« انتشار الجريمة » و« خطاب الكراهية ».
أما الفنان الشيخ ولد لبيظ، فقد أدى وصلات غنائية خفيفة ومن دون أي مسحة سياسية، ولكنها نجحت في إرضاء الجمهور الذي تفاعل معه بقوة كبيرة، واستعاد معه ذكريات أغانيه التي اشتهرت نهاية تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة، حقبة تاريخية كان ولد ببكر حاضراً خلالها في أذهان الموريتانيين.
كانت آخر الوصلات الفنية مع إحدى فرق « المدح »، وهو ما قال أحد المعلقين إنه « مسك الختام »، بينما قال أحد المنظمين إن الفرقة تأخرت عن الموعد بسبب الزحام عند بوابات الملعب، وأنه كان من المفترض أن تبدأ الحفل وليس أن تختتمه.
كان من اللافت في حفل إعلان ترشح ولد ببكر غياب الأعلام الوطنية، وهو ما برره بعض الحاضرين بموقف معارض لتغيير العلم، موقف كان موجوداً خلال العامين الأخيرين عند المعارضة، فهل يتبناه ولد ببكر المدعوم من طرف العديد من هذه الأحزاب، وفي مقدمتها حزب « تواصل ».
أما المبادرات الداعمة للمرشح فقد كانت حاضرة بقوة، كانت في كل ركن من الملعب لافتة تحمل اسم مبادرة دعم ومساندة، حتى أن صحفياً قال إن « ولد ببكر ينافس ولد الغزواني في سباق المبادرات »، وقد تنوعت عناوين هذه المبادرات حسب مواقف أصحابها وخلفياتهم؛ على إحدى اللافتات الموقعة باسم شباب الحوض الرشقي وصف ولد ببكر بأنه « مرشح التغيير المدني »، أما منسقية شباب نواكشوط فقد اختارات لمبادرتها عنوان « مرشح التغيير »، نفس العنوان نجده على مبادرة باسم اتحاد أحزاب الأغلبية الديمقراطية.
أما شعارات حملة الرجل فقد تصدرها شعار « الآن الآن.. وليس غداً »، بينما ظهرت شعارات أخرى عديدة موازية له، من أبرزها لافتة كبيرة كتبت عليها عبارة « معك نصنع النصر »، وبجوارها لافتة أخرى تقول: « شعب موحد.. واطن واحد ».
بدأ الحفل منظماً بشكل كبير، ولكنه مع مرور الوقت بدأت تسود الفوضى، خاصة مع وصول المرشح وبداية الخطاب، وحدث تدافع وزحام بالقرب من المنصة الرسمية، ما جعل عناصر الشرطة تتدخل للسيطرة على الوضع، ولكن ما إن انتهى الخطاب حتى عادت الفوضى، وكسر الزحام سياح الملعب، فيما سجلت حالات إغماء عند البوابات، وضعية كانت فرق من الحماية المدنية على استعداد لها، وهي التي أوقفت سيارات إسعاف خارج الملعب.
الكثير من خصوم ولد ببكر ينتقدونه هذه الأيام بماضيه السياسي في « الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي » الحاكم إبان عهد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع، المشهور بشعاره ذي اللون الأزرق السماوي، نفس اللون الذي اختار ولد ببكر أن يرتديه وهو يلقي خطاب ترشحه للانتخابات الرئاسية.
بفضفاضة زرقاء فاتحة اللون، مع قميص أبيض أكمامه طويلة ونظارات طبية، هكذا ظهر ولد ببكر وهو يلقي التحية على الحاضرين، ويتجول في أركان الملعب، لم يكن الرجل مرتبكاً وهو يخاطب آلاف الموريتانيين، فقد بدا واضحا أنه غير جديد على ساحة المهرجانات، وهو الذي شغل مناصب عديدة في أنظمة متعاقبة، ولعب أدواراً سياسية في فترات سابقة.