لكل موسم غلته في موريتانيا ..ففي موسم الخريف يخرج الموريتانيون إلى البوادي والأرياف للاستمتاع باجواء الأمطار وما تجود به المواشي من حليب و لحو..م وقد سجل مقياس المطر نسبا مرتفعة هذه السنة.. لكن تزامن هذا الموسم مع موسم الإنتخابات جعل الزئبق يرتفع في مقياس درجة النفاق السياسي ..
موسم يعود فيه السياسيون وسماسرتهم إلى موريتانيا الاعماق.. يجالسون الفقراء والمهمشين ويخالطونهم.. يطلقون الوعود الفارغة ويبيعون الناس الأوهام تارة باسم الدولة وتارة من بوابة القبيلة أو بوابة المصاهرة أو الشيخ أوالدين أو الجهة أو الرضاعة أو أشياء أخرى لا يسمح هامش اللباقة بذكرها.. وهي أو تار بالية يجيد العاملون في حقل السياسة العزف عليها.. أوتار منافية لفحوى الديمقراطية التي يزعمون أنهم سيَنتخِبوا أو يُنتخَبون باسمها.. وقد أدت هذه الحملات غير المسبوقة إلى تحول الجميع إلى سياسيين أو ناشطين في السياسة.. إذا زرت طبيبك اليوم فسيسألك عن فصيلتك السياسية أوالقبلية قبل أن يسألك عن فصيلة دمك والمزارع في أقصى الكرة الموريتانية يحدثك عن الموسم الانتخابي قبل الموسم الزراعي ..وهلم جرى
فهل يا ترى ستشُذً هذه النسخة النيابية والبلدية عن سابقاتها رغم كل ذلك.. فيصمد الناخبون المساكين الذين يطحنهم الفقر و الجهل وارتفاع الاسعار في وجه المال السياسي وبيع الاوهام.. أم إن هذا الموسم سيكون كسابقيه موسما لتوزيع الإكراميات وليس موسما للكرامة في ممارسة الحقوق الديمقراطية بنزاهة و شفافية تسمحان باختيار منتخبين أكفاء و نزيهين يستحقهم هذا الشعب الطيب وهذا الوطن الغالي.
وهل لمشاركة المعارضة من عدم مشاركتها أي تاثير على مجريات العملية..أم إن مشاركتها لا تغير شيئا باعتبار ان أغلب ممارسي السياسة يستعملون نفس الوسائل للوصول إلى نفس الأهداف مع فارق واحد هو ان المعارضة لا تمتلك موائد الدولة الدسمة.. تساؤلات حيرى تنتظر إجابات..
لكن المؤكد الذي لا يتنظر إجابة هو أن هموم المواطنين وأوجاعهم باتت موضع مزايدات سياسية بين الحكومة والمعارضة. آخر تجليات ذلك الهوس السياسي معاناة سكان نواكشوط الناجمة عن الأمطار التي تحولت إلى سجال تتراشق فيه الاطراف بالمسؤوليه والتقصير..والحال أن منظر أنواكشوط البائس وسكانها المحاصرين بالأوحال الطينية والسياسية والاقتصادية كان كفيلا بأن يشعر الجميع بالخجل و خاصة السلطات لأن الوقت ليس لتسجيل النقاط و إنما ينبغي ان يكون لإننقاذ العاصمة المهددة بالغرق أصلا..كما أن حال القرى والمدن الداخلية التي يتصارعون على الفوز بعمادتها أو تمثيلها تحت قبة البرلمان ليست أحسن حالا من حال العاصمة. فهي قرى ومدن فقط بالمعيار الموريتاني وليس بالمعيار المدني المتعارف عليه دوليا.. للاسف الشديد..
وقد دفعت مظاهر موسم انتخابي سابق أحد الزعماء العرب إلى وصف ديمقراطيتنا بديمقراطية الأعراب..فأرجو ألا نعطيه هذه المرة لفرصة اخرى لوصفنا بشيئ آخر..