أولا : أنا لست ضد إعطاء حقوق المسفرين الذين هجروا إلى السنغال كاملة ،بل أكثر من ذلك أطالب بإقامة ميزان العدل مقسطا في حقهم وبينا.
ثانيا : لابد من التذكير بأن انعكاسات الأحداث لم تكن مقصورة على الجماعات المسفرة إلى السنغال بل في المقابل هنالك جماعات كبيرة سفرت من السنغال، وصودرت أموالها ، إن لم تكن استهلكت وذهبت عينها .
وهنا سأتوقف قليلا لأقول إن الطرف الموريتاني كان يمثل المجموعة الأهم في عصب الاقتصاد السنغالي ، فقد ذكر الرئيس عبدو جوف أثناء الأزمة أن 80% من الحركة التجارية في بلده كانت بفضل الموريتانيين المسفرين ، وهذا يعني أن كثيرا من المال الموريتاني قد ضاع لعدم وجود طالب يتعقبه.
ولا يحجبني هذا الحدث عن حقوق السنغاليين في موريتانيا بالرغم من أن إسهامهم من الناحية الاقتصادية لم يكن بحجم إسهام الموريتانيين المقيمين في السنغال.
ومما يؤلمني كثيرا ما حدثني به مسؤول سنغالي رفيع المستوى كان عضوا في حكومة الرئيس عبد الله واد أن هذا الأخير عندما التقى بالرئيس اعلي ولد محمد فال في الفترة الانتقالية اقترح عليه المبادرة في تصفية توابع أحداث 1989 م ، بأن تعرف كل من الدولتين مالها وما عليها وتشرع في تنفيذه ، غير أن الرئيس اعلي ولد محمد فال طلب منه تأجيل المسألة لأنه في فترة استثنائية ، ولأن الرئيس عبد الله واد أيضا كان على أعتاب انتخابات رئاسية ، والتزم له الرئيس اعلي بأن الحكومة المنتخبة في موريتانيا سيكون من أوليات اهتماماتها السعي في تصفية العوالق الناجمة عن الأزمة ، وعندها أمر عبد الله واد حكومته بتهيئة الملف المتعلق بالمال الموريتاني المجمد والمصادر . كما ذكر لي هذا المسؤول أن البنوك السنغالية كانت إذ ذاك تحوي مبالغ ضخمة من ودائع الموريتانيين المسفرين ومن أثمان ما باعته الحكومة السنغالية من أموالهم .
وأكد لي المسؤول السنغالي أن الدولة السنغالية كانت مستعدة للوفاء بهذه الحقوق ، وإن استدعى ذلك الاستنجاد بالمنظمات الدولية سعيا إلى حل نهائي وعادل للمشكل ؟
غير أن المفاجئة الكبيرة التي اعتبرتها الحكومة السنغالية بطاقة براءة لها من التبعات تمثلت في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الموريتاني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وتحدث فيه عن الأزمة السنغالية الموريتانية ، وأكد فيه على مسؤولية موريتانيا عن حقوق المسفرين إلى السنغال دون أن يطالب السنغاليين بالوفاء بحقوق المسفرين إلى موريتانيا ، فكان هذا الخطاب أكبر سهم ربحته الحكومة السنغالية.
كما أن السنغاليين لما جاءهم الوفد الموريتاني الذي يريد التفاوض مع المسفرين للرجوع طواعية إلى وطنهم ، لم تزده الحكومة السنغالية على الالتزام بتوفير الأمن له حتى تتم المهمة ولم يطالب الوفد بأكثر من هذا.
وعلى هذا الأساس أقول إن الحقوق لا يمكن أن يسقطها إلا أصحابها وأنها لا تضيع مادام وراءها طالب ، وعليه فإنني آمل من الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي قلده الله مسؤولية هذه البلاد وأهلها أن يتنبه لهذه المسألة ويهتم بها ، عسى الله أن يحقق على يديه حسنة إرجاع الحقوق إلى أهلها ؛ خاصة وأن أغلب أهل هذه الحقوق مازال موجودا ويمتلك بعضهم إثباتات لحقوقهم التي ضاعت هنالك ؛ والله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور محمد الحنفي بن دهاه أستاذ بجامعة نواكشوط.