المصابيح تضيء “مدينة غير مأهولة”.. و بعض أحياء المدينة القديمة من دون الكهرباء
روصو – محمد ولد زين
تقول الحكايات إن مدينة “الكوارب” كما يطلق عليها محليا؛ كانت مركزا إداريا صغيرا أنشأه المستعمر سنة 1924، وطورها خدمة لمتطلبات أنشطته التجارية والإدارية؛ وقد شكلت فرص العمل التي خلقتها الإدارة الاستعمارية حينها؛ أهم عوامل الجذب السكاني لمدينة لم تتجاوز ساكنتها الـ 1000 نسمة سنة 1945؛ قبل أن يتضاعف العدد ليصل إلى 4811 نسمة عامين بعد الاستقلال1962.. يومها كان للأمر ما يبرره لكون المدينة “محصورة بين السدود التي بنيت أصلا لحمايتها من فيضان النهر”.
العارفون بمدينة روصو؛ 203 كيلومترات جنوبي العاصمة نواكشوط؛ يعترفون أنها تتمتع بموقع متميز أسهمت في اختياره عوامل متعددة منها الاقتصادي والسياسي يترجمها تموقع المدينة عند “تقاطع نهر السنغال مع الطريق الامبريالية رقم 1، وقربها من مصادر المواد الأولية “الصمغ والملح ومنتجات شمامة”؛ يقول أحد وجهاء المدينة.
اليوم تستذكر ساكنة المدينة الحدودية؛ نوبات الجفاف المتتالية التي عرفتها موريتانيا منذ نهاية الستينيات؛ والتي نالت ولاية اترارزه نصيبا وافرا منها؛ أدى حينها إلى اختفاء المراعي وهلاك أعداد كبيرة من المواشي وتقلص الأراضي الصالحة للزراعة؛ و التي تزيد على 137000 هكتار.
واقع أفرز أحزمة من الأحياء الفقيرة التي طوقت المدينة من النواحي الشمالية والشمالية الشرقية وباتت “الصطارة، دمل دك” الأكثر اكتظاظا؛ والمتضرر الأول من كارثة 2009 عندما غمرت المياه المدينة وجرفت السيول الكثير من المنازل في كارثة لم يسبق لروصو أن عرفتها منذ الاستقلال.
صحيا؛ تتوفر مدينة روصو على أربع مستوصفات ومركزا للاستطباب، إلا أن هذه المنشآت ما تزال “عاجزة عن تغطية الحاجة السكانية لولوج الخدمات الطبية”؛ يعلق احد المواطنين.
وفي مجال التعليم تحتضن عاصمة المقاطعة ما يربو على 10 مدارس ابتدائية وإعداديتين وثانوية؛ ويعاني هذا القطاع عديد الاختلالات الشيء الذي دفع 43 أستاذا في التعليم الثانوي بمدينة روصو للمشاركة في وقفة احتجاجية قبل أربعة أيام داخل مقر الإدارة الجهوية للتهذيب في المقاطعة، مرددين “شعارات تمجد الإضراب وتدعو إلى تحقيق مطالب الأساتذة”.
اقتصاديا تعتبر روصو مركزا تجاريا بامتياز لكونها معبرا حدوديا نشطا يشهد حركة تجارية أنعشت الدورة الاقتصادية للولاية؛ وتعتبر “عبارة اترارزه” الأكثر عائدات على المدينة مسجلة رقم أرباح سنوي يقارب 350 مليون أوقية؛ ولا يخفي العاملون في محيطها تأثير الخلافات الأخيرة بين موريتانيا والسنغال وتفاقم أزمة النقل البري على دورها الاقتصادي الكبير.
الجديد في عاصمة ثالث أكبر ولاية في موريتانيا من حيث التعداد السكاني هو قرابة 10 كيلومترات من الطرق المعبدة التي زادت من بريق مدينة ظلت منسية ردحا من الزمن.
شوارع بلا مدينة..
غرق أحياء عدة بعاصمة ولاية اترارزه عام 2009؛ جعل السلطات الموريتانية تسعى إلى إنجاز مشروع توسعة وعصرنة المدينة عند الكيلومتر السابع من المدينة الحالية، ورصدت لهذا الغرض مبلغ 300 مليون أوقية، وأسندت مهمة تنفيذ المشروع للشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي والأشغال.
مشروع عصرنة المدينة الجديدة؛ يتضمن استصلاح أكثر من 10 آلاف قطعة أرضية لم يوزع منها حتى الآن سوى 800 قطعة فقط لصالح سكان “دمل دك” باعتبارهم “الأكثر تضرراً”، فضلا عن منح 125 قطعة لصالح حملة الشهادات لإقامة مشاريع مدرة للدخل؛ وإنشاء شبكة طرق عصرية ومنشآت و مباني إدارية ومرافق صحية وتعليمية وتجارية؛ حسب الرواية الرسمية.
المدينة الموعودة اليوم؛ يشقها طريق معبد انتهت الأشغال فيه يربط شمالها بجنوبها؛ أعمدة الكهرباء انتصبت في مختلف الأرجاء؛ المدرسة الابتدائية جاهزة؛ والمستشفى الجديد الذي يفترض أن تصل طاقته الاستيعابية 150 سريرا تجري الأشغال فيه؛ رغم أحاديث السكان عن صفقته المثيرة للجدل و التي بلغت 1.547.092.057 أوقية.. وقرابة 700 أسرة يستغلون الناحية الشرقية من المدينة.
ظاهرة “الكرزة” تلاحق مدينة مازالت قيد الإنشاء؛ حيث عمدت قرابة 3000 أسرة إلى المرابطة بجوار المواطنين الذين حصلوا على قطع أرضية في مسعاهم للضغط على السلطات لمنحهم قطعا أرضية في المدينة الجديدة؛ وأغلب هؤلاء من سكان القرى القريبة من روصو وليسوا سكان المدينة القديمة؛ يقول أحد سكان حي “دمل دك” المرحل.
اللافت للنظر أنه ثمة مساحات شاسعة في المدينة الجديدة ما تزال مهجورة؛ في انتظار أن تمنحها السلطات المعنية للراغبين فيها؛ ومن المفارقة أن مصابيح المدينة الجديدة تضيء مناطق غير مأهولة في وقت تعاني فيه بعض أحياء المدينة القديمة من انعدام الكهرباء.