يكتسب المقدم اسحق يعقوب زيدا، مزيدا من الثقة في كل يوم يقضيه في الحكم؛ الذي يتوجب عليه إعادته إلى شخصية مدنية بسرعة، بحسب الاتفاق مع القوى المدنية وقادة دول غرب أفريقيا.
ورغم انه لم يكن معروفا لدى سكان بوركينا فاسو قبل أسبوع، حين نصبه الجيش زعيما للفترة الانتقالية. فاجأ مساعد قائد الحرس الرئاسي لبليز كومباوري الجميع الجمعة الماضي بظهوره للمرة الأولى في مؤتمر صحافي معلنا منتصف الليل انه “يتولى مسؤولية رئيس الدولة” بعد حوالى 12 ساعة من إعلان قائد أركان الجيش الجنرال نابيري هونوري تراوري توليه المنصب أيضا.
وأراد حينها عسكريان أن يقودا البلاد بعد استقالة الرئيس كومباوري الذي حكم البلاد 27 عاما، وفضل الجيش ـ في اليوم الموالي ـ أدناهما رتبة وأصغرهما سنا (49عاما) لأن قائد الأركان كان مقربا جدا من الرئيس السابق.
وأثار هذا الخيار سؤالا مهما، من هو اسحق زيدا؟ ولماذا يريد السلطة؟
وتساءل مصدر أمني غربي حينها قائلا إن “ما يقلقنا هو انه كان مساعد رئيس الفوج الأمني الرئاسي، هل يكون كومباوري من وراءه يحرك الأمور؟”
ولد بتاريخ 16 نوفمبر 1965 في مدينة ياكو بمنطقة باسور شمال بوركينا، وهو مسلم من “الموسي” كبرى الاتنيات في البلاد وينتمي إليها أيضا بليز كامباوري. و زيدا اليوم أب لثلاثة أطفال.
تابع دراساته في قسم اللغة الانجليزية بجامعة واغادوغو حتى عام 1989. قبل أن يلتحق بالجيش عام 1993، حيث دخل أكاديمية جورج ناموانو في مدينة “بو” جنوب البلاد.
وتشير سيرته الذاتية إلى أنه حصل على درجة الماجستير في “الإدارة الدولية” من جامعة ليون 3، في فرنسا.
واستفاد زيدا من تدريبات عسكرية في الأكاديمية العسكرية في مكناس (المغرب)، وكذلك من تدريبا في ياوندي (الكاميرون)، وأيضا في كندا وتايوان.
وانضم زيدا الرجل المتين صاحب الشارب الخفيف والنظارات، عام 1996 إلى الحرس الرئاسي المخصص لأمن كومباوري والمعروف باسم RSP، حيث أمضى حياته العسكرية. وتدرب في مركز مدينة بو (جنوب بوركينا) للمظليين.
وهذا النوع من المسيرة يثير مبدئيا الشبهات في هذا الضابط الذي يرتدي دائما زيه العسكري ويعتمر قبعته الحمراء.
واعتبر دبلوماسي انه تفوق على الجنرال جلبير دينديري قائد أركان حرس الرئاسة، الذي كان مقربا جدا من كومباوري “عن طريق السرعة” عندما خرج إلى العلن. وأكد عضو في الفوج الأمني الرئاسي أن الجنرال دينديري لم يكن مطلعا على مشاريع مساعده.
حاز ثقة الرئيس كامباوري فأصبح ضابط الارتباط المكلف بقضية تسوية الأزمة في كوتديفوار بين عامي 2011 و2012. وقبل ذلك كان ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي عام 2012 شارك في دورة تدريبية لمكافحة الإرهاب في “جامعة القوات الخاصة” في فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية.
ويبدو أن زيدا الذي يجمع الذين تحدثوا إليه على انه ذكي ومصمم، يتمتع حاليا بتأييد المجتمع المدني الذي يرى في فترة انتقالية عسكرية أقل الأضرار، بعد ثلاثة عقود من حكم كومباوري بلا منازع قبل سقوطه السريع وغير المتوقع.
لكن إطلاق الجيش النار في الهواء لتفريق حشد أأمام مبنى التلفزيون العام، والذي أسفر عن سقوط قتيل، غيّر المعطيات، وأثار في المجتمع الدولي مخاوف من انه قد يحتفظ لنفسه بالسلطة.
وبادرت الولايات المتحدة بتوجيه تحذير إليه، ثم هدد الاتحاد الافريقي بوركينا فاسو بعقوبات إذا لم تسلم الحكم إلى مدنيين في مهلة أسبوعين.
وقال ماريوس ايبريغا المتخصص في القانون الدستوري ورئيس منظمة غير حكومية ان ذلك التحذير بلغ هدفه لدى هذا الرجل “العاقل” الذي “يأخذ في الحسبان الواقعية السياسية”.
وقال عبد الكريم سانغو القانوني والمحلل السياسي انه في اليوم نفسه بدأ الضابط الذي “لم يتمتع بعد بالحكم” لقاء كافة الأطراف المعنية بالحوار الوطني الشامل.
ويبدو أن الرجل لا يريد تهميش أحد ويستشير المعارضة السابقة والغالبية السابقة والسلطات التقليدية ورجال الدين والجيش والمجتمع المدني وحتى الموالين لكومباوري، رغم الحقد الذي أصبحوا يثيرونه في الفئات الأخرى من المجتمع، كما يرى عالم الاجتماع البوركينابي فراناند سانو من واغادوغو.
ويواصل زيدا مشاوراته من أجل مرحلة انتقالية “مدنية” في قاعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي غير الفخمة، وهناك استقر تاركا مقره في الفوج الأمني الرئاسي متجنبا الإقامة في القصر الرئاسي المهجور.
واعتقل زعيم حزب كومباوري عاصيمي كواندا الثلاثاء لأنه أدلى “بتصريحات قد تخل بالنظام العام” في ما يدل على الإمساك بزمام الأمور على الساحة السياسية.
والاربعاء استقبل زيدا في المطار وكأنه الرئيس، رؤساء غانا والسنغال ونيجيريا الذين قدموا بصفتهم وسطاء إلى بوركينا فاسو، وتصافح معهم أمام الكاميرات.
ونظم الرجل الذي يلزم الصمت ويصعد الى سيارته ذات الدفع الرباعي دون الإدلاء بأي تصريح للصحافيين، الخميس مؤتمرا صحافيا تحدى فيه الاتحاد الافريقي ضاربا عرض الحائط تهديداته بفرض عقوبات.
وقال إن “المهلة التي فرضوها علينا لا تهمنا كثيرا” مضيفا “فليقل الاتحاد الإفريقي مهلة ثلاثة أيام، إن ذلك لا يلزم أحدا سواه”.
وقال مصدر عسكري إن هذا “المؤمن الهادئ والتوافقي” لا تهمه السلطة، كما أكد ذلك مريوس ايبريغا.
وقال ايبريغا إن زيدا “يفي بوعده” و”لا يريد البتة احتكار انتصار الشعب”. مؤكدا “قلنا له انه بتصرفه هكذا سيخرج منتصرا” وينهي تحوله من جندي مجهول إلى رجل أرسله القدر.