و” يوتو” هي أول مركبة فضائية صينية على شكل سيارة آلية، تعمل بالطاقة الشمسية، على سطح القمر في مهمة عملية تهدف إلى إجراء أعمال حفر وأبحاث جيولوجية وتقنية جديدة على سطح القمر.
وانزلقت أو”يوتو” ، فوق مهبط خرج من جسم مركبة الهبوط لتحط على سهل بركاني يعرف باسم سينوس ايريديوم (أو خليج أقواس قزح)، وذلك في أول “هبوط سلس” على سطح القمر منذ عام 1976.
ويمثل هذا الهبوط على النصف الشمالي من كوكب القمر أحدث خطوة ضمن البرنامج الفضائي الطموح للصين.
وستعمل مركبة “يوتو” لمدة ثلاثة أشهر، بينما سيمتد عمل المركبة الرئيسي لمدة عام كامل.
ويمثل هذا الهبوط على النصف الشمالي من كوكب القمر أحدث خطوة ضمن البرنامج الفضائي الطموح للصين. ويأتي بعد حوالي 12 يوما من إرسال المركبة تشانغي-3 على ظهر الصاروخ الصيني “لونغ مارش 3 بي” من مركز شيتشانغ لإطلاق الأقمار الصناعية في سيشتوان جنوب غربي الصين.
وقالت وكالة شينخوا الصينية الرسمية للأنباء إن المركبة الفضائية بدأت في الهبوط في حوالي التاسعة مساء بتوقيت بكين لتلامس سطح القمر بعد ذلك بـ 11 دقيقة.
وفى تعليق لبي بي سي، قال آندرو كوتس، الأستاذ بمعمل مولار لعلوم الفضاء التابع لكلية لندن الجامعية: “كنت محظوظا يوم رأيت نموذجا لمركبة فضائية في شنغهاي قبل عدة سنوات، ويعد هبوطها الآن إنجازا تكنولوجيا هائلا.”
وتعتبر “تشانغي 3” ثالث رحلة فضائية لمركبة غير مأهولة تنجح في الهبوط على سطح القمر. وتعد أول محاولة ناجحة مما يربو على 40 عاما، حيث كانت العربة الفضائية السوفيتية “لونوخود-2” هي آخر مركبة حطت على سطح القمر.
وتتمتع مركبة “يوتو” ذات الإطارات الستة بقدرات تكنولوجية متطورة، لاسيما جهاز رادار يسمح باختراق قشرة سطح القمر لأخذ عينات من التربة ودراستها.
وتستطيع “يوتو” التي تزن 120 كغ تسلق منحدرات بميل يصل إلى 30 درجة، بالإضافة إلى قدرتها على السير بسرعة 200 متر في الساعة.
وسميت المركبة بهذا الاسم بناء على تصويت شعبي عبر الإنترنت، اشترك فيه قرابة 3.4 مليون شخص، وذلك تبعا للأسطورة الصينية التي تتحدث عن أرنب يعيش على سطح القمر وكانت آلهة القمر عند الصينيين تتخذه كحيوان أليف لها.
من جانبه، قال الباحث دين شينغ، بمؤسسة التراث الأمريكية، وهي مؤسسة فكرية محافظة تقع في العاصمة الأمريكية واشنطن، إن برنامج الصين الفضائي يتماشى بشكل جيد مع مفهوم الصين عن “القوة الوطنية الشاملة”، ويمكن وصف ذلك على أنه مقياس لقدرات الدولة من جميع النواحي.
بيد أن شينغ قال إن الصين لا تنظر إلى هذا الأمر كـ”سباق في الفضاء” مع دول أخرى، مشيرا إلى ما حدث في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حين كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك تتسابقان لإطلاق مركبات إلى الفضاء في كل شهر تقريبا.
وأوضح أن الصين، تعمل، بشكل منهجي ودؤوب، على بناء العناصر الأساسية الضرورية لإقامة برنامج فضائي متطور، بدءا من منصات إطلاق الصواريخ وحتى المهمات الفضائية والكوكبية غير المأهولة التي يجري إطلاقها في مدار الكرة الأرضية.
نجاح له ما بعده
نجاح الصين في إنزال مركبة فضائية على سطح القمر يعتبر انجازا تكنولوجيا ضخما بلا أدنى شك.
فقد هبطت مركبة (تشانغ 3) على سطح القمر بعد الساعة التاسعة من مساء السبت بقليل، أي في وسط وقت ذروة المشاهدة التي يتحلق فيها الصينيون حول أجهزة التلفزيون، لمشاهدة التغطية الحية التي بثتها شبكة CCTV التلفزيونية الحكومية التي يصل بثها إلى كافة إرجاء هذه البلاد المترامية الإطراف التي يقطنها 1,4 مليارا من البشر.
وبثت CCTV إلى جانب نقلها الحي لعملية الهبوط، صورا متحركة أنتجت بواسطة الكمبيوتر تمثل عملية الهبوط وما سيليها.
ولم تسترع المهمة القمرية اهتماما كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي الصينية قبل نجاح المركبة تشانغ 3 في الهبوط بسلام على سطح القمر. ففي موقع سينا وايبو، المرادف الصيني لتويتر، احتل الموضوع المرتبة 102 في قائمة اهتمامات المستخدمين.
ولكن الموضوع سرعان ما تصدر قائمة الاهتمامات بعد أن تأكد هبوط المركبة. ولكن من المثير للاهتمام أن معظم الرسائل التي تم تبادلها في وسائل التواصل الاجتماعي كانت من تحرير الإعلام الصيني الحكومي ذاته.
فقد أغرقت المواقع الإخبارية الحكومية وCCTV والخدمة الإخبارية العائدة لسينا ويبو نفسها والإذاعة الصينية الدولية ووكالة شينخوا للأنباء وصحيفة غوانغمينغ اليومية، وغيرها مواقع التواصل بسيل لا ينضب من الرسائل حول موضوع الرحلة الفضائية.
كما ساهمت مؤسسات وجهات حكومية أخرى، كقوة حفظ السلام الصينية الأممية، وجهات تجارية خاصة بقسط من الرسائل التي نشرت في هذه المواقع.
ولكن فيما كان رد فعل العديد من الصينيين العاديين يتسم بالفخر سرعان ما تلاشى الاهتمام بالموضوع.
فبعد مضي خمس ساعات فقط على هبوط المركبة تشانغ 3 على سطح القمر، سجل موقع تنسنت ويبو للتواصل 2,7 مليون رسالة تتعلق بالموضوع بينما سجل 3,5 مليون رسالة تعلق على مباراة كرة قدم جرت في غوانجو و8,7 ملايين رسالة تتعلق بمسلسل درامي تلفزيوني.
قد يكون السبب ان الرحلة خلت من العنصر البشري، حيث لا يعتبر سير عجلة على سطح القمر مثيرا مثل مشي إنسان على التراب القمري. وقد يزداد اهتمام الصينيين بالرحلة حال قيام العجلة ببث صور لسطح القمر. ولكن كل ذلك لا يقلل من أهمية الانجاز الصيني الذي سيعود على البلاد بفوائد عدة.
فالرحلة برهنت للصينيين والعالم أجمع مدى التطور الذي بلغته البلاد علميا وتقنيا ومدى نجاحها في تجنيد مواردها المالية والبشرية لتحقيق الأهداف الكبرى.
وستحفز الرحلة البحوث في مجالات الاتصالات وغيرها، كما يتوقع أن تعود بمنافع أخرى في المجالين المدني والعسكري.
أما بالنسبة للقيادة الصينية، يعتبر الانجاز العلمي اقل أهمية من رمزية الحدث، فها هي الصين تسمو وترتفع وتبلغ القمر.