قال الرئيس الموريتاني: وسط هذه الأصوات المختلطة لن أسمعكم انتدبوا لي أحدا وسترون..
نواكشوط – سعيد ولد حبيب
كادت مواكب العاطلين عن العمل أن تحول المظاهر الاحتفالية التي أريد لها أن تميز أول معرض للتشغيل من نوعه في موريتانيا إلى ملاذ للمتظلمين الذين عجت بهم خيام المعرض وسرقوا لساعات الأضواء، فوجد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز نفسه محاصرا بالأسئلة والتظلمات التي لم تفلح كوابح الحراسة الشخصية في إبعادها عن مسامعه فاختلطت الأصوات.
توقف ولد عبد العزيز مرات أمام مشاهد شباب تأبطوا محافظ امتلأت بالشهادات العليا أو إفادات عمل أو شهادات كفاءة لشباب يبحثون عن العمل، فيما كان الطامحون للوصول إلى كبريات شركات استغلال المعادن يعرضون خدماتهم ويشكون إليه ما يسمونه ظلم المسؤولين وشططهم في استعمال الحق وصلف الشركات العاملة؛ وفق ما يقولون.
اندفع “اميليد” (37 سنة) كالصاروخ باتجاه موكب الرئيس، غير آبه بعشرات الحراس الذين شكلوا جدار صد أمامه ومئات الشباب الذين يريدون لقاء الرئيس.. لقد تعرضت للظلم من طرف إحدى الشركات الأجنبية، فأنا سائق ماهر فصلوني تعسفا لا لشيء سوى أنني كنت أقول لهم إن غبار المعادن الذي نستنشقه يسبب المرض لي ولزملائي؛ يقول اميليد.
حاله حال المئات من الشباب الذين حولوا معرض التشغيل إلى مكان يجربون فيه حظهم لإبلاغ صوتهم ودون واسطة إلى الرئيس.
سيدي الرئيس؛ سأحترق..!
نظر أحد العاطلين إلى مدير ديوان الرئيس وقال إذا لم تصل رسالتي وأحصل على عمل فإنني سأحرق نفسي.. وهكذا اكتظت مذكرة مدير الديوان بالكثير من العناوين والأرقام والتعليقات..!
قبل أيام توفي معلم موريتاني بعد أن أضرم النار في نفسه أمام رئاسة الجمهورية، وبعده تكررت حالات انتحار في صفوف الشباب.. هل هي حالة من اليأس وصل إليها الشباب الموريتاني؟! يتساءل أحد الشباب في معرض التشغيل.
جاء إلى المعرض العديد من العاطلين أملا في الحصول على وظيفة.. أنا مهندس؛ أريد أن أجد عملا أيا كان، أريد أن أكون حارسا؛ المهم أن أتقاضى راتبا يساعدني. يقول أحدهم.
وانزوى في ركن من أركان إحدى خيام شركة عالمية بالمعرض رجل موريتاني، قال إنه لن يبرح مكانه حتى يتم اكتتابه؛ “لقد مللت الوعود والبقاء بلا عمل، لقد خدمت في الولايات المتحدة الأمريكية 13 سنة، وكل كفاءاتي تحتاج إليها بلادي ولكنني لم أجد من يقدر ذلك”. يضيف الرجل.
وفي كل خيمة من خيام المعرض وضع المنظمون سلة يتم فيها إيداع السير الذاتية للمترشحين للعمل؛ وهم يقولون إن أي شخص تتوفر فيه المواصفات المطلوبة عليه أن يضع سيرته وينصرف، “فقريبا نتصل عليه لإبرام العقد”؛ طريقة لا يصدقها محمد فال الذي “وقف حماره عند العقبة”؛ كما يقول.
يقدر أعداد العاطلين عن العمل في موريتانيا بنحو 300 ألف عاطل من بينهم حوالي 2000 من حملة الشهادات العليا، فيما تقول السلطات إن الكفاءات المهنية في صفوفهم محدودة مما جعل الشركات تلجأ إلى اليد العاملة لسد حاجتها، مشيرة إلى تنفيذ برنامج طموح لتكوين الموريتانيين وتشغيلهم.. كلام لا يروق للكثيرين.
نصح الرئيس الموريتاني الجموع التي واكبته في جولته أملاً في الحصول على “عمل”، نصحهم بالتركيز على التكوين المهني لأن الحاجة إلى الكوادر المهنية تزداد، فرد أحدهم بالقول: سيدي الرئيس نحن مهندسون ودكاترة ولسنا جميعنا ميكانيكيين.
زار الرئيس الموريتاني العاطلين في خيمتهم بالمعرض، على الرغم من أنه لم يفارقهم منذ أن وطأت أقدامه قصر المؤتمرات، ووسط الأصوات المختلطة قال الرئيس: لم أسمع شيئا مما تقولون، انتدبوا لي من يتحدث عنكم وسأستمع له.
الرئيس زار مختلف أجنحة المعرض الذي يستمر ليومين، كما استمع إلى شروح من كل المؤسسات التي كان لكل منها مقترحات للحد من البطالة.. بطالة لن يقضى عليها في يومين بالتأكيد.