حركة أنصار الدين أسست محاكم شرعية وشرطة إسلامية
تينبكتو ـ عثمان آغ محمد عثمان
منذ أن أحكمت حركة أنصار الدين سيطرتها على مدينة تينبكتو التاريخية؛ أعلنت أنها سوف تبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية، وبدأت بحملة شملت كافة محلات بيع الخمور؛ التي أتلفت مخزونها، وأعلنت الحركة أنها “لا تسامح في حدود الله”، ودعت إلى سلوك إسلامي في كل مناحي الحياة.
كانت البداية حين دعت الحركة الإسلامية نساء المدينة إلى ارتداء اللباس المحتشم، لكن عناصر الحركة حاولا أن يكون مرنين في البداية، فاقتصروا على تبيـين محاسن الشريعة للناس، مع شيء من الترهيب من خلال التلويح بالعقوبات على كل “من يتعدى حدود الله”.
بعد فترة من دخولهم تينبكتو ألقى عناصر جماعة أنصار الدين القبض على بعض شاربي الخمر، وأقيم عليهم الحد، ولاحقا أسست الحركة مركزاً للشرطة الإسلامية، يرتدي عناصره زيا خاصا، كما أسسوا محكمة إسلامية تتكون من عدة قضاة، و تعقد جلسات المحاكمة يومين من الأسبوع : الاثنين والثلاثاء إضافة لإمكانية انعقادها في الحالات الطارئة.
الثلاثاء الماضي عقدت الجلسة الأسبوعية الثانية..كانت قاعة الانتظار في المحكمة مكتظة بأصحاب المظالم، و بدأت الجلسة بقضية شخص ادعى على آخر بأنه مدين له ببضاعة، وبعد مرور المهلة المحددة لقضاء الدين، أنكر ذلك.
منحت هيئة المحكمة، المؤلفة من قاض وخمسة مساعدين، الوقت الكافي لكلا الطرفين للإدلاء بما لديه، ورفعت الجلسة مؤقتاً للتداول.
بعد المداولة قررت المحكمة أن يتم استدعاء طرف ثالث في القضية، يعتبر محور الصفقة التي تمت بين المدعي والمدعى عليه، يوم الاثنين القادم، بعد أن تسلم المدعي ورقة موجهة إليه لإحضاره.
محاكمة عناصر الحركة
القضية الموالية تتمحور حول ثلاثة شبان من جماعة أنصار الدين بتجربة سلاحهم ووضع هدف أطلقا عليه الرصاص (للتدريب) في مدينة “غوندام”، وبعد عودتهم للثكنة ألقي القبض عليهم بتهمة إطلاق الرصاص وهو ما يخالف التعليمات التي تمنع استخدام السلاح في المناطق المأهولة بالسكان.
وجهت التهمة للشباب بالتسبب في إصابة بالغة لامرأة برصاصتين في فخذيها، بعمق ثلاث سانتيميترات، و لكن لحسن حظ العناصر الثلاثة، “لم تقترب الرصاصة من الفخذ” على حسب ما أدلى به الطبيب المعالج الذي استدعي من قبل القضاة للشهادة والذي أكد بشفاء المرأة.
بعد المداولة حكم القاضي على الشبان الثلاثة بالجلد 60 جلدة لكل منهم، ونزع السلاح منهم وطردهم من جماعة أنصار الدين، والتنبيه على عدم التعامل معهم لكافة أعضاء الجماعة، و تقديم مبلغ مالي للمرأة تعويضا من الجماعة على ما لحق بها بسبب عناصرهم.
100 جلدة..وعقد قران
قضايا متعددة تناولتها جلسات المحكمة؛ وبعد انتهائها بدأت قضية جديدة تظهر فقد ناقش القضاة بينهم معلومات متداولة تفيد بأن هناك شابا وشابة يقيمان علاقة جنسية منذ فترة طويلة، أدت لإنجاب طفل غير شرعي، خارج إطار الزواج بشهادة الجيران.
استدعى القضاة على الفور عناصر الشرطة الإسلامية، وأمروهم بإحضار المتهمين، اللذين اعترفا مباشرة بالذنب، وأقرا بالزنا، وأنهما كانا ينويان الزواج، فحكمت عليهما “المحكمة الشرعية” بالجلد مائة جلدة لكل منهما.
وفي صباح اليوم التالي أعلن بأن المدانين سيتم جلدهم في الساحة الكبيرة التي تقع شرق مسجد (سان كوري) التاريخي بجانب مركز احمد بابا للدراسات والبحوث الإسلامية.
أول ما وصل ساحة تنفيذ الحد كان سيارة إسعاف مع طاقم طبي مجهز بكل ما يلزم للطوارئ، ليصل بعدها المسؤول الأمني (طلحة) رفقة مجموعة من السيارات والعناصر أخذت كل واحدة مكانها لحفظ الأمن…ليصل القضاة والأئمة، وجمهور جاء ليتابع عملية “إقامة الحد”.
و قام أحد مساعدي القاضي باستعراض القضية والحكم مبينا بكل اللغات المحلية حكم الزنا، وما يترتب على مرتكب تلك الفاحشة من أمراض نفسية وجسدية مثل مرض فقدان المناعة ( السيدا) وتخلل الشرح درس في حد الزنا وأحكامه في شرع الله.
وبعد ان فرغ مساعد القاضي جيء بالمحكوم عليهم بالجلد وقد بدأوا بالفتاة، وبدأ أحد مساعدي القاضي بالجلد ليتناوب عليها بعض أفراد الشرطة ، في حين كان مساعد آخر للقاضي يعد الجلدات التي كانت تتم بحبل من البلاستيك.
بدا أن الفتاة لا تشعر بالضربات الأولى واستمر الأمر حتى أمسك شاب حديث السن، بالحبل فانهال عليها ضربا لتبدأ بإظهار الشعور بالألم.
وكان الشاب بدأ في الضرب والجلدات المائة شبه منتهية، فأوقفه مساعد القاضي المسمى (رضوان) معلنا نهاية المائة جلدة.
اقتيدت الفتاة إلى سيارة الإسعاف، وجاء الدور على الشاب ليأخذ نصيبه من الجلد ليلتحق هو الآخر بسيارة الإسعاف التي توجهت نحو المستشفى.
وفي المساء عقد قران الشاب والفتاة بمباركة وفد رفيع من جماعة أنصار الدين، وقدموا لهم مبلغا ماليا وهداياقيمة.
ويعد هذا الحد الأول من نوعه في تينبكتو منذ عقود، حيث ظل أبناء المنطقة يحتكمون للقضاة الشرعيين، ولكن أولائك القضاة لم تكن لهم سلطة تنفيذ الحدود.
منذ وصول حركة أنصار الدين إلى تينبكتو اعتبروا أن “لديهم من القوة والسيطرة ما يجعلهم قادرين على تطبيق شرع الله على هذه البقعة من الأرض” على حسب ما سبق أن صرح يه احد الناطقين باسمهم في الجلسة التي عقدت في غاو لتوقيع الاتفاق بينهم وبين الحركة الوطنية لتحرير أزواد.
الاتفاق الذي اعتبره بعض قادة الحركة “ميثاقا عظيما وقع بدم الشهداء”، ولكنه سرعان ما تعليقه بسبب مسائل لا تزال عالقة بين الحركتين دون أن يلغى بشكل نهائي.
أعقب الاتفاق إعلان الحركة الوطنية لمجلس انتقالي لإدارة المنطقة أو “دولة أزواد” بحسب الحركة الوطنية، التي أعلنت في مناسبة تنصيبها للمجلس الانتقالي بأنها “ستستمد شرعها من الكتاب والسنة” حسب تعبير أمينها العام سابقا ورئيس مجلسها الانتقالي حاليا بلال آغ الشريف.
“الحكمة.. لا القوة”
محمد الامين ولد محمد محمود مدير مدرسة “النور المبين”في تينبكتو قال لصحراء ميديا إن تطبيق الشريعة الإسلامية هو من أخلاق وقيم سكان المدينة، ” فالرجل منا كان يسير أكثر خمسة أيام بحثا عن قاض ليحكم له في قضية”.
وقال ولد محمد محمود : “نحن نطبق الشريعة على أنفسنا قبل أن يطبقها علينا أحد”. مضيفاً ان ما جعلها غائبة على العموم في السنوات الماضية هي “القوانين الوضعية”.
وبالنسبة للذين لم يعتادوا على تطبيق الحدود الشرعي “فيجب أن يتم ترغيبهم فيها، فيدرك بالحكمة ما لا يدرك بالقوة”. يقول محمد الأمين مؤكدا أن الشريعة وضعها الله لمصلحة المجتمع ففرضت على البشرية لمصحتها.
من جهته قال محمد آغ الخيريوهو حارس لأحد الفنادق في تينبكتو إن تطبيق شرع الله جيد وهو سيحد من ظاهرة الزنا المتفشية، ” لكن المشكلة أن الناس ضعفاء وأجسامهم لا تتحمل مائة جلدة” يقول آغ الخير.