لم تك زيارة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الحالية لولاية لعصابة، نشازا عن مثيلاتها، إذ تكررت بعض المظاهر السابقة، فيما مثل ظهور منتخبي تواصل في مقاطعة كرو في مقدمة مستقبلي الرئيس حالة خاصة بلعصابة.
حطت طائرة ولد عبد العزيز صباح الاثنين الماضي في مطار كيفه، غص المطار بالمستقبلين فمدينة كيفه أعدت العدة لاستقبال ضيفها، كان الحشد القبلي طاغيا، فيما غابت الدولة ورموزها عن التجمعات القبلية، وسُجل حضور حكام بعض المقاطعات لبعض المبادرات الحزبية التي جاءت ترجمة لدعوة الحزب الحاكم وبعض أحزاب الأغلبية، أهل لعصابة لاستقبال الرئيس بما يليق به، والاستفادة من أخطاء الولايات الأخرى.
بعد نزول الرئيس من سلم الطائرة، بدأ كعادته مصافحة مستقبليه من السلطات الرسمية والمحلية في الولاية، فيما منعه تدافع مستقبليه من المدنيين -من بينهم منتخبون- من مصافحة الصفوف الطويلة التي انتظرته، في حر كيفه وهي تلج باب الصيف.
منع تدخل فرق الدرك من حصول كارثة إثر التدافع، فيما سجلت كاميرات بعض الصحفيين، نقاشات حادة بين “كبار المستقبلين” كادت أن تتطور إلى عراك بالأيدي.
بعد يوم حافل بتدشين وتفقد المشاريع، جلس الرئيس تحت خيمة مع أطر الولاية في اجتماع فاحت منه رائحة السياسة في ولاية عاشت على وقع انتخابات محلية ساخنة.
بدأ الاجتماع باستفادة الرئيس من أخطاء الزيارات والفوضى التي يُحدثها المتدخلون، فأعطى حق اختيار المتدخلين للوالي، أحدث قرار الوالي باختيار المتكلمين من الموجودين تحت الخيمة فقط، ضجة كادت أن تعصف باللقاء، إذ اعترضت عليه بعض الناشطات في المجتمع المدني.
حاويات الماء الفارغة
لكن ما لم تنجح تحذيرات الحزب الحاكم أو فطنة الرئيس في تفاديه، ظهور الحاويات الماء الفارغة في أيدي المستقبلين على جنبات الطريق، يد تحمل صورة الرئيس وأخرى بها حاوية فارغة، كسر لونها المظاهر الزاهية، فيما مثل صوت أصحابها نغمة نشازا بين أصوات المستقبلين، كانت أكثر حضورا في بعض المقاطع من صور الرئيس نفسه.
أضحت هذه الحاويات بلونها الأصفر الفاقع، مرافقا ثابتا لجولات الرئيس في كل زياراته الداخلية هذا العام، وحتى وإن غابت عن الجنبات فقد حضر معناها في اللقاءات مع رئيس الجمهورية، فلا صوت يعلو على صوت العطش.
قد يشفع للرئيس أن معاناة ولاية لعصابة مع العطش سابقة على عهده، كما أتت زياراته في بداية صيف ماحل، لكن السكان أبوا إلا أن يُسمعوا الرئيس احتجاجهم على تأخر تنفيذ بعض المشاريع التي سبق ودشنها في زيارات سابقة، كان مطلب الماء العنوان الأبرز في جولة لعصابة.
مدينة كرو
نجحت الزيارة الرئاسة في استعادة مقاطعة كرو إلى حضن الدولة، وإن ظاهريا، استعصت المدينة كثيرا على الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية العام الماضي، كانت مسرحا للصراعات السياسية بين مغاضبي الحزب الحاكم، وحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) من جهة ومرشحي الحزب الحاكم من جهة أخرى؛ أسقطت نتائجها موظفين سامين في الدولة، وأنزلت أيادي نواب طالما رفعوها مشرعين عن الحزب الحاكم، باسمها في البرلمان.
رغم كل ذلك استبق حزب تواصل المعارض لنظام ولد عبد العزيز و”الحاكم في كرو”، زيارة الرئيس بقرار استقبال منتخبيه للضيف، اتخذ القرار بالتصويت داخل المكتب التنفيذي للحزب الإسلامي، وظهر العلم الموريتاني ملفوفا على منتخبي تواصل، وسرت حرارة كيفه إلى عناقهم مع رئيس الحزب الحاكم.
استند مؤيدو استقبال نواب المعارضة لعزيز على أنه رمز سيادي ورئيس لكل الموريتانيين، كما اعتبروها سانحة لإبلاغ الرئيس بمشاكل ناخبيهم.
اليوم أسدل الستار على هذه الفرصة، وودعت ولاية لعصابه ولد عبد العزيز، الذي ترك فيها وعوداً بإنشاء مصانع وشركات بالولاية للمساعدة في امتصاص البطالة ومكافحة الفقر، وتشغيل الشباب؛ وعود سيتذكرها كثيراً سكان لعصابه وهم يحملون “الحاويات الصفراء” في انتظار حل أزمة العطش.