”حتى الدويلة التي يجهلها التاريخ وتجهل نفسها !!”تغريدة شهيرة لمحمد أنور السادات غرد بها ذات يوم من خارج السرب فهل نحن فعلا كذلك؟
ومن نحن ؟ وما هي محددات هويتنا الثقافية والأيديولوجية ؟ وهل تنطبق علينا نظرية ”النقاء العرقي”بحيث نكون عربا أقحاحا؟ أمم أننا أفارقة زنوجا ؟ام برابرة صحراويون ؟ أم ماذا؟ فمن نحن إذا؟ ومن يجب أن نكون ؟ !!
سوف لن تكون مقاربتي كلاسيكية على غرارما ألفناه من إجابات تطغى عليها النزعة العاطفية الساذجة ، ولا تلك التي تتمادى في التطرف تمثلا بالقاعدة الشهيرة (خالف تعرف)بل سأحاول قدرالمستطاع أعطاء نظرة بركماتية، واقعية ،وموضوعية إن أمكن ذلك ولنبدا بالسؤال من نحن؟
إشكاليات أنطولوجية وأيديولوجية تفرض نفسها على كل مهتم بالشأن العام منذ نشأت هذا الكيان الذي أطلقنا عليه جزافا (الجمهورية الإسلامية الموريتانية ) حيث شغلت ولازالت تشغل تلك الإشكاليات أجيال الخمسينيات والستينيات والسنعينيات من القرن الماضي ،وقد تركت عليها بصماتها ولازالت الى اليوم تطفوا من حين لآخر على ساحتنا السياسية والثقافية والتربوية كلما سنحت الفرصة لمثل هذ النوع من القضايا المصيرية ، فقلما ينشب نقاش أو”حوار”بين إثنين فأكثر حول قضية أو شأن من شؤون البلد ، إلا وتعرضوا لإشكاليتي (اللغة والهوية ) ليصبح ذلك ”الحوار”(حوار طرشان )لا طائل من ورائه لسبب بسيط كون أطراف ”الحوار” ليسوا دائما على مستوى الإشكال ، ولكونهم في الغالب لايدركون عمق ودلالات مفهومي اللغة و الهوية .
و يمكن القول إن إشكال اللغة هوالإشكال الذي تتأسس عليه كل باقي الإشكالات الأخرى ، وهو المحدد الأساسي للهوية الأنطولوجية والأيديولوجية لكل مجتمع مدني، وتتعدد الهويات تبعا لذلك المفهوم ، فمن هوية متحجرة ومنكمشة على ذاتها، الى هوية منفتحة على الآخر في علاقة أخذ وعطاء وذلك هو غذاء ومعيار أي هوية ثقافية لاتريد الأنقراض والإنمحاء ، ففي غالب الاحيان تموت هوية ثقافة ما إن لم تتفاعل مع محيطها الذي يطبعه عادة التنوع والاختلاف، كتعدد عروق الشجرة فكلما تعددت تلك العروق كانت شجرة الثقافة أقدرعلى البقاء والإستمرار والعكس صحيح .
إن المتأمل للساحة السياسية اليوم سيجد أن معظم التيارات السياسية في هذ البلد -الا من رحم ربك- ترفع شعار اللغة ،إعترافا منهم بأن اللغة تختزل كل اشكالياتنا الانطولوجية والايديولوجية ، وإن كان في هذا الطرح فيه نوع من القبول الا أن كل تيارمن تلك التيارات يحاول فرض رؤيته من دون الإعتراف برؤية وطرح الطرف الآخر، وتضيع الهوية الوطنية في هذا التجاذب السيزيفي وكأننا في منطقة عازلة لا محل من الإعراب فيها للحلول الوسطية، أحرى للحلول النهائية ،إذ توجد منذ ما قبل الاستقلال وحتى اليوم ثلاث تيارات أساسية تتصارع لئلا أقول تتحاور حول هوية هذ البلد ، وهي وليدة الصراع التقليدي حول ذلك التجاذب السيزيفي الذي ظهر عند بداية تأسيس كيان الدولة، والذي يبدو لدارس التاريخ الحديث لهذ البلد أن جيل الخمسينيات لم يكن واثقا من أمكانية قيام كيان مستقل للدولة الموريتانية ، يتضح ذلك من طرح تلك التيارات ، فالتيار الأول يري بضرورة انضمام موريتانيا للمغرب وهو تيار اسلامي عروبي يجعل من اللغة العربية ، والهوية العربية الاسلامية خيارا لايمكن المساومة عليه وبالتالي فلا محل لللغة الفرنسية من الإعراب في طرح هؤلاء ، فموريتانيا دولة عربية مسلمة تجعل من اللغة العربية اللغة الرسمية دستوريا ، كما تجعل من الشريعة الاسلامية مصدرا أول و مباشرا للتشريع فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، اما التيار الثاني فهو تيار فرانكوفوني أفريقي يجعل من اللغة الفرنسية لغة التواصل الرسمي بين مكونات الشعب وكذلك المحيط الإقليمي ،بوصفها لغة للإدارة والعمل، كما يحاول أنصار هذا التيار أن يجعلوا من الثقافة الافريقية الفراكونفونية هوية لهذ البلد وما لقيصر لقيصر ومالله لله ، فهم مسلمون لكنهم ليسوا بعروبيين بل إن بعضهم ينظر للثقافة العربية بوصفها ثقافة عائقه، أمام الالتحاق بالركب الحضاري بل وأكثرمن ذلك يرى البعض منهم أن اللغة العربية لغة وافدة ولغة غزاة ، شأنها شأن اللغة الفرنسية وبالتالي فالأجدى في نظرهم هو أختيار اللغة الفرنسية لأنها تتيح فرصا قد لا تتيحها اللغة والهوية العربية ، وهنا يبرز التناقض والتضاد الواضح للذلك التجاذب السيزيفي بين تيارين مؤسسين لايمكن التوفيق بينهما نظرا لتناقض المنطلقات والمبادئ والأهداف لكل منهما !!!.
يأتي التيار الثالث وهو تياروطني لكنه شبه باهت وهي مفارقة عجيبة ، إذ يجعل هذ التيار من الحل الوطني القائمعلى أنشاء كيان مستقل للدولة الموريتانية بعيدا عن التشريق والتغريب، حلا إستراتجيا مع رسمنة اللغات الوطنية(العربية ،البولارية السونونكية، والولفية) أضافة الى الإنفتاح على اللغات الأجنية الأخرى كاللغة الفرنسية ، والانجليزية ، الالمانية ، الصينية ، وحتى العبرية مع الحفاظ على الهوية الاسلامية ،العربية ، الإفريقة كهوية وعقيدة ،ولتجاوز مشكل الهوية والإثنيات يرى منظروا الطرح الوطني أننا لن نتجاوز هذه المرحلة قبل أن نتجاوز ”عقدة اللغة ”،التي يكرسها نظامنا ”التربوي”أو اللا تربوي على الأصح ، فهم يرون – وأنا أشاطرهم الرأي- بوجوب وضرورة دمج و تدريس جميع اللغات الوطنية و في مختلف المراحل التعليمية ، من المرحلة الإبتدائية الى المرحلة الجامعية وكذلك دمج اللغات الأخرى التي يفرضها الواقع كاللغة لفرنسية، والانجليزية والصينية بل وحتى العبرية!!! إمتثالا للحديث الشريف ”من تعلم لغة قوم أمن شرهم”.
إن حلا كهذا في نظرهم يمكن أن يكون هو الحل الوحيد المتاح لمشكل الاثنيات والايديولوجيات ، وهذا في رأيهم لايتناقض مع توجه القانون الدستوري القائم حاليا ،و الذي يجعل من الشريعة الإسلامية مصدرا أول ومباشر للتشريع كما يجعل من اللغة العربية لغة رسمية للبلد .
إن الطرح الوطني يتسم على الأقل بإيجابيات لم يوفق خصومهم بالإتصاف بهما، ومن أهم تلك الإيجابيات : قضية الثقة بالنفس ، والإيمان بالوجود والإستقلال ، والقدرة على بناء الشخصية والهوية الموريتانية ، كمثيلاتها من الهويات الأخرى، والتي تختلف عن أي شخصية أو هوية أخرى ، من دون استبعاد التفاعل مع مختلف تلك الهويات في علاقة ندية تعترف كل هوية باستقلال وخصوصية الهوية الاخرى .
إضافة الى محاولته لردم الهوة الثقافية بين مختلف حساسيات التشكلة الإجتماعية والإثنية لهذا المجتمع سبيلا لتجسيد وتحقيق وحدة الوطنية حقيقية .
وبتحقيق ذلك فقط يتحدد ماينبغي أن تكون عليه هوية شخصية ”المواطن الموريتاني النموذجي” ليكون : ”ذلك الشخص المسلم الذي يحمل الجنسية الموريتانية و الناطق باللغة العربية ،والبولارية، والسنونكية ، والولفية، -ولا مانع من معرفة أية لغة أخرى – المؤمن بكيان الدولة الموريتانية المستقلة والمزدهرة ”.
ولنساعد السادات الراحل الذي يجهل شنقيط فربما يسأل الآن في قبره عن هذه ”الدويلة ”فالرابط أسفله يعطيه رؤوس أقلام حول ما جهله، فقد يخفف ذلك من معاناته !
ولاباس أن يطلع عليه الرئيس مرسي لعله يرعوي ويتفادى بذلك مصير أسلافه .
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7
وهذا العالم النحوي ول بون ينوب عنا بالأجابة على السؤال من نحن؟
نحنُ ركبٌ من الأشرافِ مُنتظمٌ **** أجلُّ ذا العصر قدراً دونَ أدنـانــا
قد اتخذنا ظهورَ العيس مدرسة **** بها نُبيــــــّنُ دينَ اللهِ تِبيـــانــــا