وركز المحاضر على العلاقة المتداخلة بين نمطي الكتابة الادبية والصحفية مستشهدا بمختلف التجارب التي استطاع أصحابها توظيف اللغة الأدبية في الصحافة، وقال في هذا الصدد “كثيرون في كل قارات العالم والوطن العربي هم الذين استطاعوا أن يوظفوا وعاء اللغة لشتى أغراض الكتابة ويلبوا حاجات مختلفة لكل طيف القراء من شغوفين بالرواية بكل لون طيفها والمهتمين بالإعلام في كل تجلياته حتى باتوا يدعون بحق كتابا صحفيين”.
وقال ولد سيدي هيبه إن أول ما يستفيده الأديب من الصحافة هو اتصاله بالحياة – حياة الجماعة وحياة الفرد – وفهم هذه الحياة على قدر ما يتيسر له ذلك بحسب استعداده وما رزق من المواهب والمَلَكات، وتفيده الصحافة أيضًا أن أسلوبه يصبح حيًّا.
وأضاف في نفس السياق أن الصحافة تفيد الاديب مرونة في الأسلوب – أسلوب الكتابة وأسلوب التناول – فهي مدرسة نافعة، أو على الأقل لازمة للأديب، وإن كانت مشغلة شديدة، على أن ما تأخذه من وقت الأديب ليس شر ما فيها، وإنما شرها أنها قد تغريه بأمرين على الخصوص: السطحية، أو بعبارة أخرى اجتناب الغوص والتعمق والاكتفاء بأول وأسهل ما يرد على الخاطر ابتغاء التخفيف عن القارئ واتقاء الإثقال عليه، ومن هنا يخشى أن يعتاد الأديب الكسل العقلي.
والأمر الثاني: أن الصحافة قد تدفع الأديب إلى توخي مرضاة القارئ العادي فيحرص على ذلك حرصًا قد يفسد عليه أدبه، ويضيع مَزِيَّتَه، ويفقده قيمته.
تساعد الصحافة الأدب من خلال استحداث ونحت مصطلحات ومفردات تثرى قاموس اللغة، وتتميز لغة الصحافة بالسهولة والبساطة واليسر لتكون في متناول الجميع أي مختلف شرائح المجتمع لأن جمهور الصحافة جمهور عام وعليه يجب أن تكون هذه الأخيرة في متناول الأوساط الاجتماعية على اختلافها وتنوعها.غير أن جمهور الأدب جمهور متخصص يتعين على الأديب أن يوظف لغة في مستوى تخصصه وأن يرتقى إلى النخبة المثقفة التي يخاطبها.
ويقول حسنين هيكل إن الصحافة رزق يوم بيوم، والأدب رحيق الجمال بين صفحتي الأزل والأبد، والصحافة توجيه الحاضر لما نعتقده المنفعة، والأدب تصميم المدينة الفاضلة، والتغني بذكرها تمهيدًا لإقامتها وتشييدها، والصحافة جهاد يومي متصل غايته الغلبة والظفر، والأدب تأمل وإمعان لاستجلاء الحق، والخير، والكمال لمجد الإنسان وسعادته”.
المحاضرة كانت مناسبة لتدخل العديد من الحاضرين من الكتاب والأدباء لتعميق النقاش حول علاقة الادب بالصحافة وتشخيص الواقع الذي تعانيه الساحة الأدبية والإعلامية بموريتانيا.