كوالالمبور لاتنام هي الأخرى.. الحياة تدب في كل ركن من أنحاء المدينة الصاخبة؛ في قلب المثلث الذهبي حيث كبريات المحلات التجارية تعانق ناطحات السحب الشاهقة، يقع شارع العرب “بوكيت بنتانغ“.
على امتداد الشارع الكبير تنتشر فنادق فئة خمس نجوم إلى جانب أفخم المطاعم والمقاهي العربية بينما تعلو أصوات الموسيقي مُدويّةً في الآفاق.
يتخذ الزائرون العرب من جادة الشارع مكانا لقضاء أمسيات هادئة يعرضون خلالها حصيلة أنشطتهم النهارية من صور ومشاهد، ويرسمون خطط التجوال المستقلبية؛ لسان حال كل واحد منهم ينشد بيت بن زريق البغدادي:
كأنما هو في حل ومرتحل @ موكل بفضاء الله يذرعه
بكيت بنتانغ في لغة الملايو تعني المرتفع المليئ بالنجوم؛ وأطلقت على شارع العرب لما يعجُّ به من معالم تجارية وترفيهية مميزة جعلته الوجهة الأهم للسياح العرب.
الشاي وأطباق الطعام توزع على مقاس الأمزجة، بينما يأخذ الحكواتي “رشيد” مكانه الثابت في ركن المقهى المغربي، يسحب أنفاسا منتظمة من الشيشة ثم ينفثها كسحابة.
رشيد هو نجم الأمسيات الذي يحرص الجميع على حضوره؛ يتحدث عن مغامراتٍ كثيرة ومعاركَ طاحنة كسب جولاتها كاملة بفضل مثابرته وشجاعته، لكن القاعدة الثابتة هي أن حكايته تنتهي بتناقض صارخ ! يضحك الجميع ثم يبدأ رشيد حكاية أخرى.
على الجهة المقابلة لشارع العرب تعزف ألوان موسيقية أخرى تهتز على إيقاعها الخصور، رقصات متنوعة تختزل تراث ماليزيا المتعدد الثقافات؛ فلكل حي من المدينة خصوصيته ومظهره الخاص الذي يعكس بوضوح طبيعة مرتاديه.
على مسافة غير بعيدة من الشارع تجد نفسك وكأنك في مدينة أخرى؛ تصطف سلسلة من المطاعم والفنادق الصينية منقوش على واجهتها بلغة الشانغ هاي، تتوسطها سوق مليئة بالبضائع الصينية ذات الصلاحية المحدودة.
جولة سريعة تكفي لرسم صورة واضحة عن مهارة الملاويين في صناعة السياحة بما يتناسب مع مختلف المجتمعات والثقافات والأعراق.
ولكن يبقى لكوالالمبور – أو ملتقى النهرين في اللغة المحلية – نصيبها من التناقض الذي يتجسد في مشاهد أخرى، لعل أبرزها البيوت الخشبية المتآكلة التي تجاور ناطحات السحاب!
لكن ربما لهذا التناقض هو الآخر دوره في إضفاء لمسة سحرية على جمال ماليزيا الباهر!.