منذ نهاية العهد الراشدي أصبح ديننا في المضمون دينا شعائريا وأصبحت الدولة الإسلامية في الجوهر دولة “هرقلية” تحكم بأسلوب فارس والرمان ، وتساس وفق أهواء الأمراء ، وتطويع بعض العلماء للنصوص فوضعت أرائهم مكان صريح القرءان وصارت فيصلا نرجع إليه في ما اختلفنا فيه بعيدا عن قوله تعالى [ فردوه إلى الله والرسول] ،
وتم كما يُقال لي أعناق أحاديث مقيدة وأخرى مخصصة أومشكوكة الصحة ، بما يخدم أصاحب الأهواء ، فالمتابع المنصف لفتاوى الأسلاف ، وما عليه الخلف اليوم يعتقد و كأن هذا الدين “لا ينبع من مشكاة واحدة” ، هنا في بلادنا علماء يفتون بشرعية الخروج على السلطان “الفاقد للشرعية!! “وهم المتشبثون بشرعية حكام لا يتوفرون على أي شرعية سوى الهرقلية الموروثة عن الرومان والمزاكاة في التراث الذي يستلهمون منه مواقفهم ويدعون إلى بعثه ، نفس العلماء المشككين في شرعة السلطان عندنا والمستمدة من شورى زكاه فيها الأكثر ،عند ما يُشرقون، تتغير نظرتهم وتبدأ ألسنهم تلهج بوجوب طاعة الأمير “فالخروج عليه كفر مخرج من الملة دم صاحبه هدر” حاكم مستبد وصل إلى السلطة بطريقة الإكراه والتوريث طاعته واجبة؟، وآخر وصل وفق آليات أشركت الناس في اختيار من يتولى أمرهم الخروج عليه مشروع إن لم يكن واجبا؟
عند ما حل الرأي محل القرءان والحديث، تصوروا ما ذا حدث من قلب الحقائق، قبل أسبوع ظهر أحد مشاهير علماء هذا البلد على فضائية أجنبية داعيا إلى ضرورة الدخول في الفتن وقال “إن المقتول من إحدى الفرق في تلك الفتن شهيد!!”، والرسول الأعظم يقول [إذا التقى المسلمان بسيفيها فالقاتل والمقتول في النار] أيهما نصدق؟ ، الرسول الأعظم يحذر من فتن أخر الزمن،” حيث هي فتن كقطع الليل المظلم القاعد فيها خير من الواقف” ويقول ” دعوها فإنها نتنة” أيهما نقلد؟ لم يتورع العالم الموريتاني المشهور عن اعتبار أحد أطراف الفتنة شهيد و جازما بأنه المقصود في حديث “من قتل دون ماله”، هل يحق لنا أن ننبه عالمنا ونقول له إنها فتن يا شيخ ، الله الله في أمة محمد ، يا شيخ انتبه فرأيك قد يٌمتطى أو يٌستنسخ من طرف أنصارك من” الغلمان المرد” ، ففي بلادنا مروجون ومرجفون يقلدونك في الملبس والمظهر قد يتلقفونه لا قدر الله.
عند ما حل الرأي محل القرءان والحديث،تغير حال الأمة واشتبهت المفاهيم ، أحد مشاهير الفضائيات الدينية سُئل عن قبلة الصائم لزوجته فقال هي حرام حرام حرام من أين خذ هذا المفتى المتألق حرمة قبلة الصائم لزوجته؟ وحديثها مشهور وملخصه أن رجلا قبل زوجته وهو صائم في رمضان فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسال أم سلمة زوج النبي صلعم فقالت لها أم سلمة إن رسول الله يقبل وهو صائم في رمضان ، فذكرت ذلك لزوجها فقال لسنا مثل رسول الله يحل له ما لا يحل لنا ، رجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت رسول الله صلعم عندها فقال صلى الله عليه وسلم ما لهذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال ألا أخبرتيها أني افعل ذلك قالت أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فقال لسنا مثل رسول الله، الله يحل له الله ما شاء فغضب رسول الله وقال والله إني لاتقاكم لله وأعلمكم بحدوده” بعض القدماء قالوا بكراهيته لكن لم يقولوا بحرمته، وما هي أهمية حتى كراهيتهم ما دام صلى الله عليه وسلم فعله وما فائدة محاولة تعليله من نقلد؟ انظروا هذه الحادثة ومثيلاتها كثر ثم انظروا من يُقلد فيها عالم أم النبي؟
مما يندى له الجنبين حقا أن الباحث في ترثانا التكفيري والتنفيري والفتاوى الاجتهادية في الأمور المنصوصة ، والمحاكين لهم في عصرنا يُصدم عند ما يرى بوضوح وبأسلوب لا لبس فيه أن غالب ما تتمسك به الأمة في تأصيل تنابزها وتنافرها وتعصبها وفتاواها الخارجة عن الزمن والمقدمة باعتبارها دينا يهدي إلى الحق ما هي في حقيقة جانبها السياسي سوى مواقف لعلماء كانوا جزءا من صراع الأمراء والسلاطين حيث ينافحون ، ويكافحون من أجل أن تكون الغلبة لفلان والتمكين لفلان وليس نصرة للإسلام في جوهره الداعي إلى الوحدة واعتزال الفتن، واليوم يحيى فكرهم من طرف مقلديهم ، والجانب المتعلق بالعبادات تقدم فيه الآراء في بعض الأحيان على صريح الثابت عن المشرع ،أجل لقد دب الوهن في الأمة منذ عصور خاصة عند ما حل الرأي محل القرءان و الثابت من الحديث في كل منحى حياة المسلمين.
لنتأمل واقعنا المزي في هذا الشهر المبارك ولنراجع أنفسنا ولنعرض غالبية الفتاوى المنفرة والمفرقة على القرءان إنه الفيصل في حل أزماتنا وليس قول عالم مفوه حافظ لكل ما قال القدماء ، يمرر القرءان على لسانه دون تدبر جوانبه المتعلقة بحياتينا ، وليس جوانبه المتعلقة بمآلنا فتلك الجوانب واضحة، لندخل القرءان في حياتنا فسنرى كم نحن نعيش صحوة تعبدية فقط لكن لا نعيش صحوة إسلامية تبني وتوحد.