قال تعالى:”يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي
إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ عنده بأجل مسمى.
صور عديدة تدور في مخيلتي وتتزاحم أيها أسطر وأنا أعيش هذه اللحظات الحزينة والمؤلمة برحيل والد حنون وأب رحيم وقائد ملك من صفاة القيادة والشجاعة ما يندر أن يوجد في هذ الربوع
رحل محمد محمود ولد الديه تاركا خلفه صورا مشرقة ستبقى محفورة في تاريخ موريتانيا المعاصر و أثرا عظيما تتداخل فيه أبعاد اللحمة الاجتماعية مع الهوية والحوزة الترابية للوطن ، لامس بأفعاله وقراراته الشجاعة شغاف النفوس التي تحن إلى الصدق والحق والعدل.
دخل التاريخ من ابواب كثيرة فالرجل أول من ادخل التعريب في الإدارة في زمن ما تزال مخالب المستعمر وأعوانه تضرب بجذورها في أوصال ومفاصل مؤسسات الدولة.
كرس حياته لخدمة المؤسسة العسكرية التي أنخرط فيها وهو مازال يافعا نافح عن المظلومين و الضعفاء ، استطاع بقوته المعروفة وشخصيته الفذة أن يشق طريقا يطبعه الإقدام والأخلاق العربية النبيلة ،ترك بصمات ما تزال حية في النفوس تشهد على أن هذه الصحراء تنجب العظماء وستبقى على هذ العهد كما ألفناها.
كان قرار فرض التعريب في وزارة الصحة وإرسال بعثات إلى الدول العربية للتكوين باللغة العربية في الثمانينات من القرن الماضي قرارا تاريخيا بكل المقاييس ليتوج بعد سنتين بتعميم استعمال اللغة العربية في الحياة العامة وفي التعليم وذلك بعدما أدرك النظام آن ذاك من خلال النموذج الذي قدمه المرحوم أن التعريب ممكن وأنه ركن مكين من أركان الهوية الوطنية والحفاظ على اللحمة الاجتماعية.
والمتأمل في هذ القرار سيتراءى له بجلاء قيمته وأثره على لحمتنا الاجتماعية ولعمري ما يدرك أهمية ذلك إلا من له قوة بصيرة ودراية بمآلات الأمور وحرص على مستقبل الأجيال و الأوطان.
موقف يسجله التاريخ من رجل شهم كريم شريف سوف يبقى عل مر الأزمنة خالدا فها هي صفات الأجداد الأفذاذ تتجلى في هذ البطل الشجاع المقدام ،دافع عن الحوزة الترابية وعن الهوية الوطنية
اليوم تفقد المؤسسة العسكرية أهم رجالها وأشدهم بأسا وصرامة وأكثرهم عطاء وقبولا والتصاقا بالجماهير وقربا من الضعفاء والمساكين يقول عنه الرئيس الراحل المختار ولد داداه إنه كان شخصا وقورا رغم أنه هو الذي تولى نقله من العاصمة نواكشوط إلى سجنه بالحوضين بعد انقلاب ثمانية وسبعين الذي كان المرحوم أهم شخصياته العسكرية.
عطاءات المرحوم الإدارية وتضحياته العسكرية في الدفاع عن الحوزة الترابية أضفت على شخصيته مهابة ووقارا وشكلت وفاته خسارة كبيرة للقوات المسلحة التي خدم فيها أكثر من أربعين سنة ومن الغرابة المحزنة أن هذه المؤسسة لم تنبس ببنت شفة واحدة ولا حتى ببيان تعزية في رحيل رجل يعلم العسكر أكثر من غيرهم فجاعة فقدانه وخسارته، سبحان الله.
قبل أقل من أسبوعين من رحيله كنت أعوده في منزله بنواكشوط ، كان شغله الأساسي رغم صراعه مع المرض هو السؤال عن المرضى والضعفاء كان يسأل عنهم بحرارة ويظهر في حديثه المحبة واللطف والثناء على الضعفاء والمحتاجين،أعرف فيه قيم الشجاعة والرفعة والصدق مع نفسه والآخرين وأشهد أنه كان لطيفا بالمرضى يجنح على الضعفاء يواسي ويحب الصدق في الأعمال والأفعال
تلقيت نبأ وفاة المرحوم وأنا في بلاد نائية فحاولت على عجل الإشارة إلى بعض صفاته الحميده ودوره الإداري والعسكري الذي لا يقدره إلا من يملك بصيرة وبعدا في النظر.
رحمك الله
رحلت عنا وبقت بصماتك شاهدة على مسيرتك الحافلة بالعطاء
رحلت عنا وتركت في نفوسنا جرحا ظائرا وفراغا لا يقدر بحجم
رحلت عنا وأنت الذي كنت تملئ المكان عزة وشموخا وتدبر الأمر بحكمة وعقل
رحلت عنا لكن خصالك باقية فينا والحس الذي يسكنك يسير في دمائنا
رحلت والقلوب تعتصر ألما والعين تذرف دمعا ولا نقول إلا ما يرض ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أرحم فقيدنا ونور قبره ووسع مدخله أسكنه في جناتك جناة الفردوس فأنت الرحيم الجواد.