أمر مؤسف جدا أن تتعرض مباني ولاية تيرس للحرق من طرف متظاهرين مطالبين بحقوقهم المشروعة دستوريا، فليس غريبا أن يتخلل أي مظاهرات عمالية أعمال شغب وعبارة منددة ، بل جارحة إنها ظاهرة صحية وسلوك ديمقراطي تليد وعريق ، لا تثريب في ممارسته ،هذا ما نعتقد ونكافح من أجل أن يفهمه الجميع وأن يترسخ في أذهان مكافحي الشغب، إن هذه المظاهرة حملت دلالتين قمينتين بالتأمل ، الأولى أن الدولة لم تمارس حقها في احتكار العنف ، فكانت هي الضحية ، و الثانية أن الغاضبين صبوا جام غضبهم على ممتلكاتهم ، اجل ممتلكات الشعب الموريتاني ، وأرشيف الشعب الموريتاني، وهيبة الدولة الموريتانية التي يريدون منها إنصافهم من شركة المناجم ، هل فكر الغاضبون أن الوثائق التي شفوا بحرقها غليل غضبهم ربما بها وثيقة واحدة تحمل الحل النهائي والمرضي لمأساتهم ، وبحرقها بأيديهم يكون دليل إنصافهم قد اختفى بأيدهم إلى اجل غير معروف؟ أعطت هذه المظاهرة درسا جديدا في تطور الدولة غير مسبوق فيه دليل على أن مقولات أن ماضي هذا البلد كان أفضل من حاضره على جميع الصعد الذي يرددها البعض ، ورسختها بعض الأقلام لا تصمد أمام حقائق تاريخه بل هي دعاية سياسية ، ففي 28/5/1968/5/1968 تظاهر عمال نفس الشركة ،وفي نفس المدينة، وفي ظل حكومة مدنية وإدارة مدنية مع كل ذلك جاءت استجابتها مع مطالب الغاضبين في اليوم الموالي عزف على أنغام الرصاص ، ثمان جثث مضرجة بالدماء ، ثمانية وعشرون متظاهرا جرحى هكذا جاء الرد . على متظاهري نفس المدينة قبل أزيد من أربعين سنة ، وجاء التعبير الصادق عن المذيحة الرهيبة هكذا .
قف بالبطاح زميلي زر مسقط الشهداء
قف بالبطاح زميلي تسمع عويل النساء
هذا البطاح زميلي سال بأزكى الدماء
وقل لشعب نبيل هل تكتفي بالبكاء
هل تكتفي بالعويل وهم سخوا بالدماء.
في ظل إدارة الجنرال المتقاعد للبلاد الذي لا يبخل عليه ساسة معارضون بعبارات القدح والتشكيك في أهليته القيادية ووصمه بالاستهتار بمصالح المواطنين من وجهة نظرهم ، وتحت إدارة جنرال من نفس الطينة لنفس المدينة تراقص المتظاهرون على زغاريد النسوة آمنين ، فلم تسل ملء محجنة حتى من عرقهم المنساب وهم يصرخون ملء حناجرهم ويتوعدون من يقف في طريقهم ، أجل لم يذبحوا مثل ما فعل بأشياعهم قبل نيف وأربعين سنة ، فهل دماء متظاهري اليوم أغلى من دماء متظاهري الأمس،؟ وكلهم موريتانيون لهم مطالب مشروعة ؟ وهل كانت الحكمة والحنكة في أن تسيل البطاح بتلك الدماء الزكية قبل أن تنهي الدولة العشرية الأولى من الوجود، إنه ماضينا المقدس المعصوم من الزلل!! ، وأحداث الأمس حاضرنا العسكري القمعي الهمجي.