شرطي ينقل كرسيين متواضعين من مكتب القاضي إلى قاعة المحاكمة، ومساعد متقدم في السن، يحمل كومة من الملفات من المكتب نفسه، ثم يضعها على طاولة مغبرة أمام الكرسيين، في قاعة اكتظت بالمتقاضين الذين احتلوا طاولاتها التي تغطي نصفها، والمساحة المتبقية منها خلف المقاعد، استعدادا لبدء جلسة في إحدى محاكم المقاطعات بنواكشوط.
فجأة دخل الشرطي القاعة، التي تساقط طلاء جزئها الشمالي، مؤديا التحية العسكرية؛ قائلا بصوت جهوري “محكمة”. تزامن ذلك مع دخول القاضي وكاتب الضبط بجلبابيهما الأسودين، ثم بدأ القاضي باستدعاء طرفي أول ملف، فتحدث نيابة عن الطرفين محاميان بجلبابين، لا تكاد تلاحظ فرقا بينهما وجلبابي القاضي وكاتبه، ودون إسهاب في المرافعة أو إصغاء من القاضي، أُجل الملف إلى جلسة لاحقة.
تتالت الملفات، التي زادت على العشرين، وكانت كلها حول نزاعات عقارية، باستثناء ملف واحد، كان النزاع فيه يدخل ضمن دائرة الأحوال الشخصية، وكما تتالت الملفات، تتالت مرافعات المحامين وحجج المتقاضين، وبدا أن مضامينهما مألوفة لدى القاضي وكاتبه، فلا الأول اقتنع ثم أصدر حكمه، ولا الثاني دوّن شيئا يذكر من ما سمع.
لا أحد حريص على تهدئة ضجيج القاعة، باستثناء ذلك الشرطي الذي اعتاد، كما هو واضح، التعامل مع رواد المحكمة، يلوح بيديه تارة، ويتوسل بابتسامته تارة أخرى للحاضرين، علهم يخفضون أصواتهم، ويصغون إلى القاضي وأعوانه والمتقاضين، وفي أغلب الأحيان لم يفلح في ذلك.
همهمة هنا وجدال هنالك، وعدم رضى عن موقف أو قرار؛ طبيعي أن تسمع كل هذا وتلاحظه، فلا القاضي صارم؛ ولا هو مهاب، يبتسم في أغلب الأحوال، وكلما ابتسم كانت ابتسامته سببا في ابتسام الشرطي المساعد.
بعض المحامين لا يشعر بقدسية المكان، ولا يسعون لفرض احترامه؛ يخلعون جلابيبهم ليلبسها آخرون، أمام الجميع، وعلى بعد خطوات من القاضي، دون أن يلقوا استنكارا منه.
عدم صرامة القاضي في التعامل مع المحامين، دفع أحدهم، بتفهم من كاتب الضبط الرئيسي في المحكمة، إلى وضع وثيقة في أحد الملفات، بعد نظر القاضي فيه، دون أن يكون له علم بها، وهو ما أثار غضب الأخير، غير أنه ما لبث أن هدأ وعاد إلى ابتسامته المعهودة، وأعاد النظر في الملف.
غياب الجدية هذا في المحكمة دفع بائعة شاي إلى الدخول والتجول قرب الباب الخلفي للقاعة لبيع كؤوسها، قبل أن يتدخل الشرطي ويفرض عليها الخروج، لكنه لم يمنع من سبِقه، واشترى كأسا من شرب ما بها.
قاعة المحاكمة خالية من مكيفات التبريد، ونوافذها أبت إلا أن تبقى مغلقة طيلة الجلسة، التي استمرت زهاء الساعتين، رغم درجة الحرارة المرتفعة نسبيا.
مصابيح القاعة الاثنى عشر لم تكن كافية لتوضح خبايا الملفات أو إشكالها، رغم أن أغلب هذه الملفات مضى على فتحه بضع سنين، فأجل القاضي البت فيها جميعا إلى جلسة لاحقة، قرر أن تكون بعد أسبوعين. ثم غادر ومعه كاتب ضبطه، والشرطي، والمساعد المسن، والملفات، والكرسيان إلى مكتبه، على أن يعودوا في الجلسة المقبلة التي قد لا تحمل أملا للمتخاصمين بأن أجل النطق بالحكم قد اقترب.
فجأة دخل الشرطي القاعة، التي تساقط طلاء جزئها الشمالي، مؤديا التحية العسكرية؛ قائلا بصوت جهوري “محكمة”. تزامن ذلك مع دخول القاضي وكاتب الضبط بجلبابيهما الأسودين، ثم بدأ القاضي باستدعاء طرفي أول ملف، فتحدث نيابة عن الطرفين محاميان بجلبابين، لا تكاد تلاحظ فرقا بينهما وجلبابي القاضي وكاتبه، ودون إسهاب في المرافعة أو إصغاء من القاضي، أُجل الملف إلى جلسة لاحقة.
تتالت الملفات، التي زادت على العشرين، وكانت كلها حول نزاعات عقارية، باستثناء ملف واحد، كان النزاع فيه يدخل ضمن دائرة الأحوال الشخصية، وكما تتالت الملفات، تتالت مرافعات المحامين وحجج المتقاضين، وبدا أن مضامينهما مألوفة لدى القاضي وكاتبه، فلا الأول اقتنع ثم أصدر حكمه، ولا الثاني دوّن شيئا يذكر من ما سمع.
لا أحد حريص على تهدئة ضجيج القاعة، باستثناء ذلك الشرطي الذي اعتاد، كما هو واضح، التعامل مع رواد المحكمة، يلوح بيديه تارة، ويتوسل بابتسامته تارة أخرى للحاضرين، علهم يخفضون أصواتهم، ويصغون إلى القاضي وأعوانه والمتقاضين، وفي أغلب الأحيان لم يفلح في ذلك.
همهمة هنا وجدال هنالك، وعدم رضى عن موقف أو قرار؛ طبيعي أن تسمع كل هذا وتلاحظه، فلا القاضي صارم؛ ولا هو مهاب، يبتسم في أغلب الأحوال، وكلما ابتسم كانت ابتسامته سببا في ابتسام الشرطي المساعد.
بعض المحامين لا يشعر بقدسية المكان، ولا يسعون لفرض احترامه؛ يخلعون جلابيبهم ليلبسها آخرون، أمام الجميع، وعلى بعد خطوات من القاضي، دون أن يلقوا استنكارا منه.
عدم صرامة القاضي في التعامل مع المحامين، دفع أحدهم، بتفهم من كاتب الضبط الرئيسي في المحكمة، إلى وضع وثيقة في أحد الملفات، بعد نظر القاضي فيه، دون أن يكون له علم بها، وهو ما أثار غضب الأخير، غير أنه ما لبث أن هدأ وعاد إلى ابتسامته المعهودة، وأعاد النظر في الملف.
غياب الجدية هذا في المحكمة دفع بائعة شاي إلى الدخول والتجول قرب الباب الخلفي للقاعة لبيع كؤوسها، قبل أن يتدخل الشرطي ويفرض عليها الخروج، لكنه لم يمنع من سبِقه، واشترى كأسا من شرب ما بها.
قاعة المحاكمة خالية من مكيفات التبريد، ونوافذها أبت إلا أن تبقى مغلقة طيلة الجلسة، التي استمرت زهاء الساعتين، رغم درجة الحرارة المرتفعة نسبيا.
مصابيح القاعة الاثنى عشر لم تكن كافية لتوضح خبايا الملفات أو إشكالها، رغم أن أغلب هذه الملفات مضى على فتحه بضع سنين، فأجل القاضي البت فيها جميعا إلى جلسة لاحقة، قرر أن تكون بعد أسبوعين. ثم غادر ومعه كاتب ضبطه، والشرطي، والمساعد المسن، والملفات، والكرسيان إلى مكتبه، على أن يعودوا في الجلسة المقبلة التي قد لا تحمل أملا للمتخاصمين بأن أجل النطق بالحكم قد اقترب.