في خضم التجاذبات السياسية الحاصلة منذ فترة بين مختلف مكونات الطيف السياسي علي الساحة الوطنية ، لم يعد المرء يدري ماذا يحصل في البلد ، فقد توالت المسيرات والندوات والوقفات الاحتجاجية والداعمة ، ما بين مؤيد للنظام وما بين مطالب برحيله ، وطفق سيل من المبادرات التوفيقية والناصحة ، والتي لازالت تراوح مكانها ، وإزاء هذا المشهد وقف الجميع حائرا أمام ذلك الانسداد ، فلا المعارضة طرحت بدائل واقعية بدل المطالبة برحيل النظام ، يمكن البناء عليها للوصول إلى قواسم مشتركة على أساسها يتم خلق آليات معينة للتحضير لانتخابات شفافة ونزيهة ، ولا النظام هوالآخراتخذ مبادرات وأعطي إشارات تطمئن المعارضة وتبرهن على إرادته الصادقة من أجل ايجاد مخرج ملائم يفضي إلى حوار سياسي يؤسس لبناء دولة ديمقراطية ذات مؤسسات دستورية حقيقة .
وأمام هذا التعنت بين الطرفين والمد والحزر أصبح المواطن العادي الذي همه الوحيد العيش الكريم في كنف دولة ديمقراطية تحقق لكل أبنائها العدالة الاجتماعية والأمن الاستقرار ، أصبح يتساءل ما ذا يخبأ له المستقبل ، وهل نحن سائرون في طريق المجهول وماهوالمصيرالموعود .
فا الخشية الكبرى أن لا تبقى موريتانيا كما يريد لها مواطنها البار أيموريتانياأولا ، موريتانيا لكل أبنائها الغيورين على عزتها وكرامتها ،موريتانيا تلك “القلادة “بحباتها المزركشة بالألوان الجميلة التي إذا ما انقطع خيطها الجامع تطايرت حباتها وتناثرت ، وصعب رصها وتجميعها من جديد لتعود كما كانت وكما نريدها .
إنها موريتانيا الجميع بتنوعها وشرائحها وطوائفها ، حيث شاءت قدرة قادر حكيم أن تكون أرض المنارة والرباط هذه بهذا التمازج الجميل وهذا التنوع المترابط ،لاغنى لأحد فيه عن الآخر، فقد جمعته أقوى الروابط الأزلية رابطة الدين الواحد ،والأرض الواحدة ، والمصير المشترك .
فما أجملهذهالخصوصية وهذا التعايش الذي حبانا الله به ، والذي لا بد من المحافظة عليه وصيانته كي لانقع في الفخ والكارثة التي قد تكون أكبر مما نتوقع ،فالطامعون يتربصون بنا شمالا و شرقا وجنوبا والأطلسي يهددنا غربا (أقصد المحيط لا الحلف)– عسى ألانكون لقمة سائغة–،فموريتانيا أرض التسامح والمحبة تتسع للجميع اذا ما خلصت النيات وصدقت العزائم وقويت الارادة واستبعد شبح الكبرياء والغرور وسدت ابواب التهميش والإقصاء والغبن وتعاون الجميع لبناء دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية .
ومع بشائر الخير والرحمة بنزول الغيث ايذانا بموسم خريف واعد بإذن الله فأملنا أن يكون ذلك فرصة سانحة للطبقة السياسية معارضة ونظاما لالتقاط الأنفاس ومراجعة الذات
واستنباط العبر وتقييم المرحلة الفارطة ليعود الجميع من جديد مفعما بحس وطني حقيقتي وإرادة قوية صادقة لردم هوة الخلاف لطرفي المعادلة السياسية مما يقود إلى إجماع شامل لرسم خريطة طريق تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق لبناء دولة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات ، وبذلك فقط نجنب بلادنا الهزات والعواقب الوخيمة من بلقنة و صومألة، ولنا عبرة مما حصل في اليمن حيث قادوه إلى حافة التشرذم والانفصال ، ومايجريفي الشقيقة سورياالمقبلة على حرب أهلية مدمرة ، وصراعات الأخوة في الصومال المأساوية التي مزقت الدولة ، أومآ يحصل في جمهورية مالى الجارة التي تتخبط في المجهول بعد الحالة الشاذة الحاصلة في الشمال.
إننا في موريتانيا مطالبون أكثر من أي وقت مضي برص الصفوف وتوحيد الكلمة لتجنب الهزات العنيفة ، وأن يبادر كل طرف من أطراف الأزمة بتقديم تنازلات ، والابتعاد عن الأنانية السياسية والمصالح الحزبية الضيقة ،صونا للمصلحة العليا للبلد.
وإزاء هذه الوضعية لابد من إعطاءفرصة للنظام القائم ،الذي جاء بموجب رآسيات توافقية بين كل الأطراف، وما عملية تقييد السكان الجارية والتى ستمكن كل مواطن من الحصول على أوراق ثبوتية غير قابلة للتزوير وكذا تعيين لجنة إشراف ( حكماء ) على الانتخابات المقبلة ، وما يجري من تشييد للبنية التحتية إلا دليل علىأن النظاميحاول جاهدا النهوض بالبلاد بعزيمة صادقة ،مع إدراكنا العميق للتراكمات الجمة لأكثر من ثلاثين سنة من فساد واستبداد إلي غير ذلك .
وعليه، فإنه بدون تحلي الجميع بالوطنية والحنكة واليقظة السياسية لن نحافظ علي موريتانيا الغد من أجل بناء دولة ديمقراطية مدنية متحضرة تتسع للجميع.