التجار أكدوا لصحراء ميديا أن الانقطاعات المستمرة للكهرباء كلفتهم خسائر مادية كبيرة
النعمة – محمد ولد زين
بين ثنايا بطحاء فسيحة؛ تحيط بها الجبال والمرتفعات من مختلف الجهات، باستثناء الجهة الغربية التي تبقى المنفذ شبه الوحيد للمدينة، تتناثر أحياء مدينة “النعمة” عاصمة ولاية الحوض الشرقي؛ المتموقعة على بعد 1200 كيلومتر شرقي العاصمة الموريتانية نواكشوط.
“النعمة” قصة مدينة حدودية لا تنحني لأهوال الطبيعة القاسية منذ تأسيسها قبل نحو قرنين من الزمن، وحتى اليوم؛ وهي المقاطعة المركزية ببلدياتها الـ 10 ؛ وعاصمة لولاية يبلغ تعدادها السكاني 281600 نسمة؛ تتناثر على مساحة قدرها 183.000 كيلومتر مربع؛ بكثافة سكانية تتجاوز 1.53 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد.
في يوميات المدينة قديما وحديثا قصص تروى؛ منها أن سلسلة جبال النعمة كانت بمثابة القاعدة الخلفية للمقاومة الوطنية ضد الاستعمار؛ فكان رجالها يتحصنون في “جبال النعمة” ويشنون منها حرب العصابات على الحاميات الفرنسية في جميع أنحاء ولاية الحوض الشرقي؛ يقول محمد محمود؛الرجل المزهو بتاريخ مدينته وهو يروى نقلا عن أحد أجداده.
يعتصر الرجل الستيني ذاكرته التي أنهكتها الهموم؛ ويطلب مساعدتنا في استحضار اسم المعركة التي يريد الاستشهاد بها؛ قبل أن تسعفه المخيلة “لن أنساها إنها أشهر المعارك (زوروقو) التي قضت فيها المقاومة على سرية فرنسية كاملة”..
“زوروقو” بحيرة فصلية تقع في الناحية الشمالية لـ”وادي الخط” الذي يفيض ماء في فصل الخريف ينطلق جريانه من جهة الشرق، وتقع على بعد 12 كم إلى الشمال الشرقي من مدينة “كومبي صالح” التاريخية؛ و50 كم إلى الجنوب من مدينة تمبدغه؛ يضيف محمد محمود.
وفي قصص الحاضر؛ شبح الجفاف وهاجس القاعدة؛ ومعاناة هدم المنازل لشق 10 كيلومترات من الطرق المعبدة؛ والتي لا يراها المواطن العادي “ذات قيمة” مقارنة بالبيوت التي ستقام على أنقاضها.. و حديث عن الانقطاعات المتكررة للكهرباء وخسائر التجار.
هموم الساكنة..
عندما تطأ قدماك نهاية “طريق الأمل” الرابط بين العاصمة نواكشوط والنعمة؛ أطول طريق معبد يشق البلاد؛ والذي يختفى تماما بالقرب من بوابة مفوضية الشرطة المركزية بالحي الإداري في النعمة؛ تتلقفك الطرق الممهدة في انتظار انتهاء الأشغال فيها ؛ وهي العلامة البارزة الجديدة على من زار المدينة سابقا؛ فضلا عن الحواجز الدفاعية التي وضعت عند بوابة المنطقة العسكرية الخامسة التي تطالعك في مدخل المدينة؛ وما سواهما.. لا جديد يذكر في الواجهة المعتادة.
تنقسم ساكنة “النعمة” بين مستبشر بشق الطرق الحضرية؛ لأنها ستوفر 4 طرق معبدة تربط أحياء المدينة ببعضها البعض؛ وفريق ساخط لأن الطرق ستقام على أنقاض منازلهم؛ ويرى الصنف الأخير أن السلطات لم تراع الجوانب الجغرافية للمدينة.
ويقول سيد أحمد ولد محمد سيديا 47 عاما؛ إن هذه الطرق لا فائدة منها سوى أنها “شكلت سدودا قد تغرق المواطنين في حالة نزول الأمطار”؛ ويضيف آخر أن السلطات “لم تعوض لمن هدمت منازلهم وتم ترحيلهم”، كما هو الحال في أحياء البيطرة؛ المستشفى الجهوي؛ كلبه؛ الشوفية، والعدالة.
هذا الجدل الدائر خلفه قرار السلطات الموريتانية بانجاز 10 كيلومترات من الطرق المعبدة في مدينة النعمة شرقي موريتانيا؛ وحسب مشاهداتنا، هناك 5 شوارع من الطرق الممهدة؛ أحدها ينطلق من المستشفى الجهوي إلى لعناكر، وهو الوحيد المكتمل؛ والثاني من المستشفى إلى معهد التكوين المهني؛ والثالث يربط ما بين بوابة الثانوية إلى السوق؛ في حين ينطلق الشارع الرابع من حي البيطرة وينتهي عند “كرير”؛ أما الأخير فيبدأ من السوق المركزي إلى الإعدادية رقم2 ؛ وهذان الشارعان مغلقان بالحجارة و الجرافات.
مشكل آخر عايشناه ليلة كاملة مع ساكنة النعمة؛ ألا وهو الانقطاعات المتكررة للكهرباء؛ باستثناء ما يطلقون عليه محليا “سكتير الوالي”؛ الذي يتوفر على “كهرباء دائمة”؛ يقول ولد محمد عبد الله.
أكبر المتضررين من انقطاع الكهرباء هم تجار السوق المركزي وأصحاب البقالات؛ الذين تكبدوا خسائر كبيرة؛ بسبب تلف بضائعهم؛ على حد قول الحسن ولد محمد عبد الله؛ تاجر في سوق النعمة.
ويعدد التاجر الشاب الدده ولد محمد الأمين (32 عاما)؛ خسائره الناجمة عن انقطاع الكهرباء؛ مؤكدا أنها طالت أنواع الأشربة وكميات كبيرة من لحوم الدجاج؛ و السمك والطماطم؛ مشيرا إلى أن ذلك جعله يخسر”ملايين الأوقية”؛ وفق تعبيره.
وفي الوقت الذي تشكو فيه بعض الأحياء من انقطاع التيار الكهربائي تتطلع أحياء أخرى في “النعمة” إلى النور بعد أن سئمت الظلام لعقود؛ ويتعلق الأمر بأحياء “امبيزيره؛ الشوفية؛ الصفحة؛ لعناكر؛ اشرم”.. ولا يختلف الأمر كثيرا إذا تعلق الأمر بالمياه؛ إذ أن نسبة 80 % من المنازل لا تصلهم شبكة المياه بالمدينة؛ على حد وصف ولد بابيه.
أما قطاع التعليم في عاصمة ولاية الحوض الشرقي؛ فتؤمنه 12 مدرسة ابتدائية وإعداديتان وثانوية بالنسبة للتعليم النظامي؛ فضلا عن مدرستين خصوصيتين؛ إحداهما مكتملة؛ يقول المعلم محمدو ولد بابيه.
وعلى الصعيد الصحي تحتضن مدينة “النعمة” مستشفى جهويا تتم فيه العمليات الجراحية؛ ويؤازره مركزان صحيان؛ بطاقم طبي من بينه أخصائيون في أمراض النساء والأطفال وأمراض الأسنان وجراح وحيد.. جميعهم موضع انتقادات من المرضى بدعوى أنهم “يبتزون المواطنين لشراء الأدوية من صيدلياتهم؛ واغلبهم لديه عيادات خاصة في منزله”؛ كما يؤكد أحد الساكنة.
وفي المجال الاقتصادي تعد مدينة “النعمة” مركزا تجاريا حيويا، وقد ساعدها موقعها الجغرافي القريب من الحدود مع جمهورية مالي لتكون مركزا للتبادل التجاري ومنطقة عبور للسيارات والشاحنات والقوافل التجارية المتجهة إلى الجارة الشرقية.
وكانت المدينة في السنوات الماضية؛ عكس حالها اليوم؛ مدينة رعوية وزراعية تحتضن جزءا كبيرا من الثروة الحيوانية وتساهم مع مناطق الشرق الأخرى في تزويد بقية مناطق موريتانيا بحاجاتها من مختلف أنواع الماشية.. ويتوقع المهتمون بالتنمية أن يتراجع دورها في هذا المجال بسبب موجة الجفاف الحالية التي تضرب المنطقة.
هواجس القاعدة..
الزائر لمدينة “النعمة” لا يمكن إلا أن يقف مشدوها أمام مستوى الاستنفار الأمني الذي تشهده ؛ وهي التي غدت بين عشية وضحاها “مركزا أمنيا أشبه ما يكون بساحة حرب غير معلنة”؛ وأصبح الحضور الأمني ملفتا للانتباه إلى حد أن إطلاق “صفارات الإنذار” لم يعد يثير الكثير من الارتباك والخوف والقلق لكثرة ما اعتاده السكان.
تحول “النعمة” إلى ما يشبه نظام الثكنة العسكرية وتحصينها أمنيا له ما يبرره بطبيعة الحال، حيث شهدت المدينة منتصف العام الماضي ولأول مرة تنفيذ “عملية انتحارية” من خلال استخدام سيارة مفخخة لأحد عناصر تنظيم القاعدة استهدفت المنطقة العسكرية الخامسة، وأسفرت عن خسائر مادية في واجهة الثكنة، وجرح ثلاثة عسكريين.