يحتاج الزائر لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب إلى خبير في علم التربيع لاكتشاف الجناح الموريتاني خلال تجواله في المعرض المترامي الأطراف في مركز أبوظبي الدولي للمعارض الذي يكتشف للوهلة الأولى أنه أيقونة هندسية عى شكل حرف U ينتصب في زاويته برج زجاجي مائل بدرجة تزيد على ميلان برج بيزا الإيطالي.
بعد يأس عثرت على ركن يحمل اسم “الاتحاد الموريتاني للنشر والتوزيع” على مساحة ثمانية أمتار من مساحة المعرض الذي يضم أكثر من ألف عارض، ويقدر المنظمون أن يستقطب 200 ألف زائر من مختلف الأقطار العربية.
“لم نلاحظ لحد الساعة إقبالا يذكر ما عدا بعض أفراد الجالية” يقول سلامي ولد أحمد المكي، رئيس الاتحاد الذي تم تأسيسه منذ حوالي سنة، لكنه يضيف أنهم لاحظوا إقبالا على الكتاب الموريتاني في معرض الجزائر وفي المغرب.
لم يُخفِ بعض أفراد الجالية الذين زاروا المعرض الغياب المتكرر لبلاد شنقيط التي يقدر المشارقة كثيرا إسهام علمائها ومحاضرها في حماية ونشر الثقافة العربية الإسلامية. وربما يعود السبب إلى فجوة تصل إلى القطيعة أحيانا بين رأس المال والثقافة في موريتانيا، فالاستثمارات الموريتانية التي جابت عدة قارات بحثا عن فرص، لم تنفتح شهيتها على سوق الكتاب ولم تعرف كيف تسوق كنوز المحضرة الموريتانية بطريقة مبسطة وجذابة للعالم العربي المتعطش لها.
“كل هؤلاء لم يأتوا بغية الأجر والثواب”، يقول أحد أفراد الجالية وهو يشير إلى الأكشاك البيضاء المصطفة لدور النشر المشاركة والتي تزينها تصاميم أغلفة الكتب. ويضيف “إنها استمثارات مربحة”.
وزارة الثقافة الموريتانية كانت أبرز الغائبين أو الغائبات، وقد علم ممثو الاتحاد الموريتاني للنشر والتوزيع أنها “صيفطتهم” بتذكرتي سفر بعدما وصلوا إلى أبوظبي وهي مساهمة أقل من رمزية جاءت في الوقت بدل الضائع أو بالأصح بعد صفارة النهاية.
ازدحمت في المعرض العناوين والمواضيع في كل ما يخطر وما لا يخطر بالبال وتراوحت بين الكتب الدينية التقليدية بأغلفتها السميكية المذهبة إلى كتب الأبراج والتنبأ التي تقول للقارئ: “رأيت في وجهك الخير”.
بعد هدوء رتيب ضجت قاعات المعرض مع حلول المساء بضيوف فوضويين: الأطفال بعفويتهم وهتافاتهم البريئة، والذين لم يجدوا صعوبة في تمييز كتبهم ذات الألوان الزاهية التي تحمل عناوين مثل “حكايات ما قبل النوم” و”الأحاجي” و”حديقة الحيوانات”.. إلخ. ويلاحظ الزائر بسهولة تركيز الناشرين العرب على كتب الأطفال في مختلف المجالات حيث أصبحت إحدى أهم محركات سوق الكتاب، كما يقول د. علي خلف الإماراتي المختص بأدب الطفل ويشارك في المعرض ببعض كتب الطفل منها مجموعة “حكايات الحروف” .
كنوع من التشجيع، خصصت إدارة المعرض كوبون شراء مجاني لكل طفل يزور المعرض. واستمتع الزوار الصغار بجلسات للقراءة، ومراسم توقيع الكتب وورش العمل الخاصة بالأطفال ومشاركة كتاب وقراء القصص من أنحاء العالم، إضافة إلى عروض الفنانين المشاركين في ركن الرسامين.
أما ربات البيوت من مختلف الجنسيات العربية فتوجهن إلى كتب الطبخ التي تفتح الشهية صور الوجبات التي تزين أغلفتها. وتضمنت فعاليات المعرض ركنا خاصا بعروض الطبخ وبالطبع كان “أكثر أهله النساء”.
ازدياد الإقبال في العالم العربي على كتب الطبخ في السنوات الماضية، أثار الكثير من التعاليق الطريفة والرسوم الساخرة وكان وجبة شهية لبعض وسائل الإعلام.
تميزت الدورة الحالية للمعرض التي تنعقد في الفترة من 24-29 ابريل الجاري بمشاركة رواد القطاع الأدبي ودور النشر وقطاع الأعمال في أبوظبي، الذين يعرضون أعمالهم من الكتب والمحتوى الرقمي والتطبيقات الرقمية. وضم برنامج المعرض مجموعة من الأنشطة، شملت حوالي 30 جلسة حوار جمعت الخبراء ورواد قطاع النشر في المنطقة والعالم،
في الدورة الحالية تضاعفت مساحة المنطقة الإلكترونية eZone بما يتناسب مع نمو قطاع النشر الرقمي وشعبية الكتب الإلكترونية بين اوساط الجيل الجديد في المنطقة. وضمت eZone شركات من الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا واليونان ودولة الإمارات العربية المتحدة والأردن. وعرضت بعض الشركات تطبيقات على الآيباد بمثابة النسخة العربية لآيبوك، ضمن مكتبة ألكترونية تضم آلاف الكتب يمكن شراؤها وتنزيلها من أبل ستور ومطالعتها بسهولة مع العديد من الخيارات الإضافية، مثل الترجمة والاقتباس وإضافة المرجع.
رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الإمارات في دعم الثقافة العربية إلا أنها تواجه تحديا خاصا بها لأنها تحضن أكثر من 200 جنسية من مختلف قارات العالم، واللغة المشتركة بين هؤلاء هي الانجليزية. يقول المواطن الإماراتي نوح الحمادي عضو جمعية حماية اللغة العربية: “أيام كان والدي في سني كان التحدي بالنسبة لهم، تسرب المفردات العامية إلى اللغة العربية، ونحن الآن نقول مرحبا بالعامية لأنها على الأقل من أصل عربي”. ويضيف “التحدي الذي نواجهه الآن هجوم المصطلحات الأجنبية على لغتنا الحبيبة”.
ويأتي المعرض الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة ضمن خطة شاملة لجعل أبوظبي إحدى أفضل وجهات السياحة الثقافية في العالم، وتتضمن الخطة إنشاء المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات التي ستضم متحف جوجنهايم أبوظبي، ومتحف اللوفر الفرنسي وجامعة السوربون….