محمد عبد الجليل ولد يحي ـ طالب جامعي
تناولت وسائل الإعلام يوم الجمعة خبرا أدهش العقول والنفوس ألا وهو ” بيرام وأنصاره يحرقون… الخ…”.
يتخيل لك أن سماء ارض العلم والعلماء سقطت، أو كادت تسقط، أين علماء الشناقطة الذين كانوا يضربون أكباد الإبل الأقتناء أهم المرتكزات والأسس المعتمدة في مذهب الإمام مالك إمام درا الهجر، وهي – المدونة الكبرى، التي تعتبر من أجلّ أمهات كتب المذهب.
– مختصر خليل يعتبر هذا المختصر الكتاب الأساسي والمعتمد عند الشناقطة في مذهب الإمام مالك
– شروح المختصر ـ مواهب الجليل ـ الدسوقي …. الخ
– رسالة بن أبي زيد القيرواني التي تعتبر باكورة هذا المذهب
– ابن عاشر وشراحه ……الخ
ألم يحفظ علماؤنا الأسلاف الذين مضوا هذه الكتب، واعتنوا بها أشد اعتناء، إلى درجة التأليف في شرحها، وظلت هذه الكتب مصونة حتى وصلت إلينا، وتركوها أمانة في أعناقنا، وما أعظمها من أمانة.
أليس من العار والشنار أن نفرط في هذه الأمانة ونترك هذا المخزون العلمي الثر، الموجود في هذه الكتب يذهب أدراج الرياح، بل الطامة الكبرى أن ندع ثلة (برام وانصاره) تحرق هذه الأسس والمرتكزات التي كانت – ولا تزال -حوضا يرده كل الشناقطة، بل إن منهم من نهل وعل من هذه الأسس المذهبية حتى صار من أفذاذ علماء عصره
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي يجب علينا الوفاء به اتجاه هذه الكتب وأصحابها؟ هل هو تراكها في أيدي ثلة قليلة (بيرام وأنصاره) تعبث بها ، بل ويصل الأمر إلى أن يحرقها هؤلاء على شاشات عدسات الكاميرات التلفزيونية والصحف والمواقع الالكترونية على مرأى ومسمع منا جميعا.
لنتساءل مرة أخرى، أين علماء الشناقطة الأوفياء؟ أين فقهاؤها؟ أين مفكريها؟ أين ساستها؟ أين أحزابها السياسية؟ …الخ أما حان كشف القناع؟
وبالتالي أجد نفسي مضطرا لهذا النداء العاجل الذي نفد صبري في انتظار من هو أجدر به مني. متمثلا بقوله الشاعر:
ولكن البلاد إذا إقشعرت
وصوح نبتها رعي الهشيم….الخ
يا شناقطة، وأخص بالذكر العلماء، “المذهب المالكي يصرخ، ومؤلفاته تصرخ، هل من مغيث”؟ أليست هذه الكتب تحمل في طياتها إسم ” الإله جل جلاله”وقرآنه المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ” لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم”؟
أما تحتوى هذه الكتب على بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ألم ينص العلماء على أن التقصير في تعظيم العلم تقصير في تعظيم الله؟ فمن باب أحرى حرق الكتب التي تحتوى أصول الشريعة وفروعها عمدا
ألم يبين ورثة الأنبياء بما لا يدع مجالا للشك مصير من صغر عمامة العالم؟ فما بارك بمن سب وشتم؟
ألا يعتبر هذا العمل منكرا تنكره نصوص الشرع؟
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من رأي منكم منكرا فلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه…..الخ رواه مسلم ،من حديث ابي سعيد الحدري
ألا يعتبر أصحاب هذا العمل الإجرامي قد اعتدوا على مقدسات الأمة الإسلامية ككل، والمجتمع الموريتاني على وجه الخصوص الذي يعتمد أساسا في عباداته – أحواله الشخصية، معاملاته .. إلخ – على هذه الكتب المستمد فحوها من الكتاب والسنة.
وبالتالي يجب أن نقول أن أصحاب هذا العمل المنتن والمشين قد مرقوا مروق السهم من الرمية عن سلوك المجتمع الموريتاني.
صحيح أن من قام بهذا العمل المتغطرس أحرق نفسه أولا وثانيا، أما الكتب فكان عليهم ذلك بردا وسلاما، كما أن تطاوله على القنن الشامخة، قنن المذهب المالكي أقل ما يقال عنه ما قال الشاعر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
أليس تشدق هؤلاء الثلة ( بيرام وأنصاره) المتغطرسون بأنهم يقصدون من وراء هذا العمل المشين المتطرف أن يجتهدوا اجتهادا صحيحا من السنة المحمدية؟ ألا يعتبر هذا القول مهزلة؟ فو الله لقد صدق القائل:
لقد هزلت حتى بدى من هزالها
كلاها وحتى سامها كل مفلس
وصدق كذلك العالم الشنقيطي القائل:
أيا رعاة الدين إن الدين صارا
أسيرا للصوص وللنصارى
فإن بادرتموه تداركوه…
وإلا يسبق السيف البدارا
وفي الأخير نطلب وننشد علماءنا الأجلاء رعاة الدين الحنيف بأن يهبوا هبة الرجل الواحد، ويجلجلوا بصوتهم في كل بقاع الأرض من أجل توضيح الرؤية وموقف الشرع من أصحاب هذا العمل النخيس والمتطرف، وإلا فما الذي ستفتخر به بلاد المنارة والرباط بعد اليوم في المحافل الدولية أهو حرق كتب المذهب المالكي المستمد من الكتاب والسنة في أرضها على مرأى ومسمع من الجميع بعد أن عرفت بماضيها الوضاء وحتى بالأمس بلاد العلم والعلماء بلاد نشر المذهب المالكي الناصع؟ كما ننشد الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية أن يبتعدوا عن الأنانية السياسية ويعلنوا موقفهم بطريقة واضحة وصريحة، وأن لا يقتصروا على البيانات المكتبية الخجولة، كما أدعوا باسمي ونيابة عن زملائي في الحقل الطلابي الدولة أن تقف في وجه هؤلاء الثلة الذي يستهزءون ويخربون مكتسباتنا ومقدساتنا الدينية.