عرفت في السابق بتصدير الصمغ ثم الحديد والسمك.. وأصبحت تصدر “المظالم” والمهاجرين غير الشرعيين
نواذيبو – محمد ولد زين
اكتشفها البرتغاليون عام 1441 م؛ فأسموها “كاب بلاه” واستخدموها حينئذ معبرا لـ”تصدير الصمغ العربي”؛ قبل أن يطلق عليها المستعمر الفرنسي مطلع القرن العشرين “بور أتين”؛ نسبة إلى وزير المستعمرات آنذاك “أويجن أتين”.
شيد الفرنسيون فيها ميناءا لتصدير السمك.. وأنشؤوا بها مطارا عام 1920 كان بمثابة حلقة الوصل بين بقية المستعمرات الفرنسية في غرب أفريقيا وأمريكا الجنوبية؛.. هذا عن قصة الاكتشاف وتقلب التسميات.
“نواذيبو” اليوم؛ عاصمة لولاية تتموقع على مساحة 17800 كيلومتر مربع؛ بساكنة تقارب الـ 150 ألف نسمة؛ وهي العاصمة الاقتصادية لموريتانيا؛ حيث يتم تصدير معدن الحديد؛ وغالبية الثروة السمكية من موانئها الموجودة على بعد كيلومترات قليلة من قلب المدينة؛ وعددها 3 موانئ هي: الميناء المعدني لشركة اسنيم؛ الذي يختص بتصدير “خامات الحديد نحو أوروبا وآسيا، وميناء نواذيبو المستقل؛ حيث يتم تصدير الأسماك إلى بقاع شتى عبر العالم، ويستقبل البضائع المختلفة المتوجهة إلى الأسواق المحلية؛ وميناء الصيد التقليدي الخاص بتوديع واستقبال زوارق الصيد الصغيرة والمتوسطة المملوكة لأفراد.
إداريا؛ تحتضن المدينة مقاطعة مركزية واحدة هي”نواذيبو”؛ وأربعة مراكز إدارية هي “بولنوار؛ انوامغار؛ إينال والتميمشات”.. في انتظار أن تدب الحياة في المقاطعة الثانية “الشامي” المستحدثة أخيرا؛ والتي بدأت الأشغال في بناء مرافقها الإدارية؛ قبل الشروع في بناء حي سكني مكون من “50 بناية موزعة بين الطراز العالي والمتوسط والمساكن الجماعية”؛ حسب تعبير وزير الإسكان الموريتاني.
من أشهر أحياء نواذيبو “كانصادو؛ الغيران، لعريكيب، اكراع النصراني؛ صاله، النيمروات؛ والمتفجرات”؛ قبل أن تفرز عملية إعادة تأهيل أحيائها العشوائية أسماء جديدة من قبيل “لمغيطي؛ اتشركه؛ الترحيل”.
وفي المجال الصحي؛ تحتضن نواذيبو “العاصمة” مستشفى جهويا؛ و9 مراكز صحية؛ فضلا عن عيادة مجمعة تابعة لشركة “اسنيم”؛ إضافة إلى 6 مراكز صحية تتوزع داخل الولاية على “اينال؛ التميمشات؛ بولنوار؛ انوامغار؛ بلوخ؛ وامحيجرات”؛ في حين لا يتجاوز الطاقم الطبي 53 فردا؛ من بينهم 5 أخصائيين؛ و6 أطباء عامين.. ويعاني القطاع الصحي في العاصمة الاقتصادية؛ من نقص في المعدات والطواقم.
وفي جانب التعليم تتوفر ولاية داخلت نواذيبو على 39 مدرسة ابتدائية يزاول الدراسة فيها 12393 تلميذا، إضافة إلى أربع اعداديات وثانويتين يدرس فيها 4504 طالبا.
وفي ميدان الخدمات الأساسية عانت المدينة في السابق؛ من صعوبات جمة في مجال التزود بالمياه؛ وتحتفظ ذاكرة البعض بمقولة مفادها أن نواذيبو كانت في بعض الفترات الاستعمارية تزود بالمياه الصالحة للشرب عن طريق السفن الفرنسية القادمة من مدينة “مرسيليا”؛ قبل اكتشاف بحيرة “بولنوار” التي تزود المدينة الآن بالمياه؛ ولم تكن طاقتها تتجاوز5000 متر مكعب يوميا؛ وقد تم انجاز 4 مقاطع تتعلق بنقل وتحويل الماء الشروب؛ وبذلك بلغت الطاقة الإنتاجية حاليا 20.000 متر مكعب يوميا؛ وشهدت المدينة “وضع 190 كم من الأنابيب؛ وبناء خزانين مرتفعين تبلغ سعتهما 700 متر مكعب؛ و1000 متر مكعب؛ فضلا عن انجاز 6000 توصلة اجتماعية و5 نقاط مائية”؛ يقول أحد مسؤولي شركة المياه في نواذيبو.
وحسب الإحصائيات التي حصلت عليها “صحراء ميديا”؛ فقد استفادت من هذه التوسعة، حيث تم وضع “40 كم من الأنابيب؛ و19 نقطة مائية”؛ إضافة إلى شبكة المياه في حي الوفاء “الترحيل”؛ بغية استفادة ساكنة هذه الأحياء من الماء الصالح للشرب.
وفي مجال الكهرباء؛ تم “بناء محطة كهربائية للشركة الوطنية للكهرباء بقدرة 4X3 ميكاوات؛ بناء وتجهيز 8 محولات منkva630 ووضع 1050 نقطة إنارة”؛ فضلا عن توسعة الشبكة الكهربائية والإنارة العمومية بشبكة هوائية طولها 122 كلم؛ وفق بعض الإحصائيات.
هذه التوسعة مكنت من كهربة منطقة الاستقبال “حي الترحيل”؛ وإن كانت الساكنة غير راضية عن خدمة الكهرباء وتصفها بـ”المتقطعة“.
سمك.. وحديد
الثروة السمكية في نواذيبو؛ قصة ملأت الدنيا وشغلت الناس؛ في مدينة تمنح سنويا 250 رخصة صيد؛ ويبلغ إنتاجها المحلي من الصيد الصناعي 577000 طن سنويا؛ ومن الصيد التقليدي قرابة 200.000 طن سنويا؛ ويوفر قطاع الصيد 42000 فرصة عمل؛ ينفرد الصيد التقليدي والنشاطات المرتبطة به بأكثر من 30 ألفا منها.. كما تحتضن المدينة 37 مصنعا لمعالجة المنتجات البحرية.
مجال الصيد في نواذيبو؛ دخله لاعب جديد ألا وهو شركة “بولي هودينج” الصينية؛ التي وقعت معها الحكومة الموريتانية السنة الماضية اتفاقية صيد مثيرة للجدل.
وقد شرعت هذه الشركة فعلا في بناء مركب للصيد السطحي تابع لها؛ قيل إنه يتكون من وحدة للتخزين بطاقة استيعابية قدرها 6000 طن؛ ومصنع للثلج طاقته 100 طن يوميا؛ ومصنعين لمعالجة الأسماك؛ ووحدة لصناعة دقيق السمك وورشة لإصلاح السفن.. ويستخدم هذا المركب 46 باخرة للصيد السطحي و100 زورق للصيد التقليدي.
وقد خلف دخول “المارد الصيني” على الخط في العاصمة الاقتصادية ردود أفعال متباينة بدءا بالبرلمان؛ وانتهاء باليد العاملة المتضرر الأول في هذه الاتفاقية، بالرغم من إنها ستخلق 2500 فرصة عمل دائمة؛ حسب نص الاتفاقية.
وتحتضن نواذيبو المدرسة الوطنية للتعليم البحري والصيد؛ التي أنشئت سنة 1991 لترقية التكوين البحري وتكوين ضباط المتن والبحارة، وتدوم فترة التكوين بها سنتين إحداهما دراسية والأخرى تطبيقية؛ وبلغ عدد طلابها العام الحالي 94 طالبا وطالبة؛ وقد خرجت المدرسة في مجال الصيد الصناعي 1435 خريجا وعلى صعيد الصيد التقليدي 396 متخرجا و1187 في مجال تحسين الخبرة.
أحمدو ولد ببيه؛ 67 عاما؛ رئيس رابطة المجربين المتقاعدين في الصيد البحري؛ أكد لـ”صحراء ميديا” أن الصيد التقليدي في نواذيبو يتطلب “تنظيما إداريا، لأنه يوفر قرابة 7000 فرص عمل بشكل مباشر وغير مباشر“.
وأضاف ولد ببيه؛ أن رابطته لديها تجربة 45 سنة في المجال، وظلت “مهمشة والرئيس ليس على اطلاع بحقيقية قطاع الصيد الفاسد بمدينة نواذيبو وقد طرحنا مشاكلنا عليه وننتظر الحلول”؛ على حد وصفه.
أما قطاع المعادن في نواذيبو؛ فيحتل المرتبة الثانية بعد قطاع الصيد البحري في مجال التشغيل، إذ توفر شركة “سنيم” العملاقة قرابة 8000 فرصة عمل؛ منها 4800 فرصة عمل دائمة؛ وهي التي سجلت رقما قياسيا في مجال تصدير الحديد بلغ 12 مليون طن السنة المنصرمة؛ وتتطلع إلى تصدير 18 مليون طن في افق العام 2014.
مدينة المظالم
ما عادت نواذيبو تلك المدينة التي يحلم كل شاب البلد بالتوجه إليها بحثا عن وظيفة؛ وهي التي طالما احتضنت العمالة الوطنية والأجنبية؛ غير أن املاءات الواقع شاءت أن تتحول المدينة العمالية الهادئة إلى ساحة مفتوحة للتظاهر والمطالبة برفع المظالم؛ والسبب عائد إلى ظاهرة التسريح الجماعي والفصل التعسفي الذي تنتهجه الشركات هنا؛ يقول أحد المتظاهرين.
“جرنالية سنيم”؛ عمال البحر؛ خريجو المدرسة البحرية؛ سائقو سيارات الأجرة؛ سكان أحياء الصفيح وجيوش العاطلين عن العمل؛ الكل يعبر عن رفضه بطريقته الخاصة؛ وهو ما دفع ببعض شباب المدينة إلى تنظيم مسيرة راجلة من نواذيبو باتجاه نواكشوط (470 كلم)، في سابقة من نوعها للتأكيد على أن المدينة الاقتصادية ضاقت عن استيعاب طموحات أبنائها.
“نشطاء منسقية نواذيبو من أجل رفع المظالم”؛ التقوا الرئيس الموريتاني في قصره بنواكشوط رغم وعثاء السفر الشاق؛ وخرجوا بتطمينات تمنى منسقهم أن ترى النور.
“أصحاب المظالم” كما يسمون في نواذيبو حاصروا الرئيس الموريتاني أينما وجد خلال زيارته الأخيرة للمدينة؛ واعتصمت نسوة أمام إقامة الرئيس طيلة ليلتين؛ دون أن يوفقن في لقائه؛ تقول ميمونة.
محمدن ولد احمدو ولد ابياه؛ رئيس جمعية الساحل للمرشدين السياحيين بنواذيبو؛ انتقد وضعية السياحة في المدينة؛ قائلا إن الدولة لا توظف مقدرات الولاية السياحية؛ خاصة حظيرة حوض آركين التي توظف ساكنة الريف ولا تتعاون مع المرشدين السياحيين.
وأكد ولد ابياه؛ أن جمعيته تنشط في الميدان منذ سنة 1990 ؛ مطالبا بإشراك الفاعلين السياحيين؛ في “تسيير حظيرة حوض آركين ومنطقة الرأس الأبيض حيث توجد المحمية الخاصة بعجول البحر”، موضحا أن الولاية تتوفر على عوامل عديدة تشجع على تدفق السياح بفضل “المناخ المعتدل وانتشار الفنادق والمطاعم والإقامات”.
مشاكل الأحياء العشوائية؛ والهجرة وانتشار الجريمة المنظمة وأوكار الدعارة؛ ونقص المياه ومشاكل الكهرباء؛ وازدياد أعداد العاطلين عن العمل، وتعطيل السياحة؛ أمور لا تعدم من يشكوها لك في مدينة طالما صرفت خيراتها نظر ساكنتها سنينا طوالا عن خيار “التظاهر“.