أول نتائج الحدث على البلد القابع على الضفة الأخرى من الأطلسي؛ كان قطع العاهل المغربي الملك محمد السادس لزيارته الرسمية لموريتانيا؛ حيث كان ضيفا على الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع.
لم تتأخر ردة الفعل الموريتانية كثيرا؛ حيث أبرق ولد الطايع برسالة تعزية إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن.. تلاها بيان شديد اللهجة من وزارة الخارجية يدين العمل “الإرهابي”.
لم يقتصر تأثر الموريتانيين بموقعة مانهاتن على هذا الحد؛ فمباشرة أعلنها دابليو بوش حرباً على ما سماه “الإرهاب”؛ مطلقا صرخته الشهيرة “من ليس معنا فهو ضدنا”.
كبرياء القطب الواحد مُس في الصميم.. وكاد بعض ريش قوادم النسر الأمريكي الأصلع أن يتطاير.. بدأت طائرات (البي 52) تدك معاقل “الإمارة الإسلامية”؛ التي أقامتها جمعية طلاب المدارس الدينية الأفغانية “طالبان”؛ بالتعاون مع تنظيم القاعدة؛ المشكل من مقاتلين عرب اعتبروا واشنطن عدوهم الأول.
كان الموريتاني محفوظ ولد الوالد يتبوأ منصب المرشد الديني للتنظيم؛ وناقش زملاءه رفضا للعملية؛ من حيث هي استهداف للمدنيين.. أمضى الرجل بعد ذلك عشر سنوات في السجون الإيرانية؛ قبل أن يعود إلى بلده.
مباشرة بعد إلقاء الحرب أوزارها أقامت الولايات المتحدة سجنا في جزيرة غوانتنامو المستأجرة في خليج الخنازير.. وكان نصيب موريتانيا منه ثلاثة أسرى، أحدهم أطلق سراحه بعد سنوات ست؛ وعاد لوطنه؛ فيما بقي زميلاه المهندس محمدو ولد صلاحي وأحمد ولد عبد العزيز يسامران زنزاتيهما في الخليج سيء الصيت.
ولد صلاحي سلم نهارا جهارا -يقول ذووه- للأمريكيين؛ فقد استدعاه الأمن الموريتاني؛ وقدمه على طبق من ذهب لرجال ال FBI؛ الذين زاروا نواكشوط لتتبع خطاه من باب “إكرام الوفادة”.
أما صنوه ولد عبد العزيز فقد اقتيد من حضن أسرته الحديثة في لاهور؛ ليتكفل الصليب الأحمر الدولي بتزويد الأسرتين بمعلومات عن مكان وجود الأسيرين.
طيلة السنوات اللاحقة؛ أصبحت قضية الرجلين؛ قضية رأي عام في موريتانيا؛ وكافحت أسرتاهما ومن خلفهما ناشطون مدنيون وحقوقيون موريتانيون من أجل إلقاء حجر في بركة الغموض الضخمة التي تلفهما؛ حيث لم يحاكما ولم يطلق سراحهما.
باراك أوباما دلفَ إلى البيت الأبيض وهو يعلنها صراحة: “لا مكان لغوانتانامو في مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية”، وبدأ يتحرك في اتجاه إغلاق المعتقل، تحركٌ وإن كانَ بطيئاً إلا أنه كان موجوداً، حيث أعيد كثير من الأسرى إلى دولهم.
في أروقة القصر الرمادي بنواكشوط، ظل ملف الأسيرين يُتداول بنوع السرية الممزوجة بالحذر، فآخر المعلومات تؤكد أن السفير الموريتاني في واشنطن يجري اتصالات غاية في السرية مع السلطات الأمريكية بخصوص الرجلين.
وفي انتظار أن تفضي جهود الحكومات المتعاقبة، فقد توفيت والدة ولد صلاحي من دون أن تحظى بعودة ابنها إلى أحضانها؛ فيما لم يطلق أفراد الأسرتين الأمل في أن يقذف في يوم من الأيام يمَّ الأطلسي المتماوج؛ “تابوت هذا الضياع”.