جمال ولد محمد سالم- الدوحه – قطر
بدأ الربيع العربي من المغرب العربي، وتحديدا من تونس ليمتد إلي ليبيا، ثم يرسل نسائمه لتمر بجوار المملكة المغربية، لينتهي عندها… ثم تسمع موريتانيا الزوابع التي عادة ما تعقب المطر، وتدل علي انتهائه، بغض النظر عن طبيعة المطر، غيثا كان سحا غدقا، أم أمطارا “حامضية”.
أما الجزائر، وبحكم موقعها بين تونس وليبيا، فلم يكن أحد يتوقع أنها ستسلم من رياح التغيير التي اجتاحتهما، إلا أن النظام الجزائري يبدو أنه محصن ضد جميع أنواع التيارات المسببة للتغيير, وليس ذلك بالغريب.
فمنذ تسعينيات القرن الماضي، وعقب نجاح الإسلاميين في هذا البلد، ورفض الغرب لهم، وهو يغلي من الداخل بسبب الإنفلات الأمني، وعدم الإستقرار الذى راح ضحيته مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء، وخلف خسائر مادية جسيمة، إلى أن استطاع النظام السابق- الحالي أن يسيطر على الوضع، ولو بقبضة من حديد.
هكذا دول اتحاد المغرب العربي الجديد، بعد ثورات الربيع العربي، وسقوط بعض قادة الاتحاد مثل زين العابدين مثلا، وبزوغ فجر نمط سياسي جديد في المنطقة، لا يكاد ينتشر في ثلاث دول من الإتحاد.
إن مشكلة الصحراء التي ظلت تعيق دول المغرب العربي، و مازالت إلى حد الآن لم تحل، رغم الإعتراف بها أمميا وإفريقيا، ولكنها بالنسبة للمغرب جزء لا يتجزأ منه، وبالنسبة للجزائر فإن الشعب الصحراوي له قضيته التي لا تقل شأنا عن القضية الفلسطينية، رغم اختلاف المستعمر.
وظاهريا تريد الجزائر الاستقلال للصحراء، إلا أن الخلاف مرده بحسب البعض نزاع قديم متجدد على المنطقة الغنية بالموارد الاقتصادية بين المغرب والجزائر، نزاع قادهما إلى الانقسام – في مرحلة معينة من تاريخهما- بين كتلتي المستعمر أثناء الحرب الباردة، إذ أختار المغرب الكتلة الرأسمالية الغربية، فيما انحازت الجزائر للكتلة الإشتراكية الشرقية، ولم تزل هذه المشكلة قائمة إلى يومنا هذا..
وطبعا لا يُتوقع أن تتغير مادامت السياسات المتبعة فى الدولتين لم تتغير، وواجهات الحكم لم تتغير، اللهم إلا إذا أعتبرنا أن إصلاحات صورية حدثت في النظام المغربي، وإن كانت مشروطة بعدم التطرق لقضية الصحراء.
أما بقية دول الاتحاد فليس لها في الصحراء أطماع توسعية ولا حتى مصالح اقتصادية، ولا توليها من الدعم والاهتمام ما توليه لها الجزائر، ويأمل الصحراويون من الحكومة المغربية الجديدة أن تتخذ قرارات حاسمة في سبيل حل قضيتهم، خاصة بعد ما طلبوا من السعودية بشكل خاص التدخل في القضية، نظرا للروابط القوية بين المملكتين، والتي كان من أبرز تجلياتها العرض الذي تقدمت به دول مجلس التعاون الخليجي للمغرب للانضمام لدول المجلس، متجاوزة بذلك الإعتماد على الوحدة الجغرافية، ومعتمدة على تشابه الأنظمة الملكية.
لا ننكر أن الاتحاد وصل إلى مراحل متقدمة في عهد الرؤساء السابقين، إلى درجة أصبح فيها المتفائلون ينظرون إليه باهتمام شديد، معتبرين أنه خطوة في سبيل تحقيق الحلم الذي كان يراود الشعوب العربية، وهو “الوحدة العربية” بدليل أن مصر- في عهد مبارك – تقدمت بطلب رسمي للانضمام له، لكن خلافات داخلية بين بعض قادته حالت دون قبول انضمام مصر له، وإن كانت تجمعها مع الاتحاد تشابهات كثيرة، من نمط الحكم، للموقع والحدود الجغرافية، حتى أنها هي أول دولة تأثرت بالربيع العربي القادم من تونس مباشرة.
إن أمام القادة الجدد للاتحاد اليوم، إضافة إلي مشكلة الصحراء، تحديات جساما، على جميع الأصعدة، فقد خلف الربيع العربي في ليبيا بشكل خاص، انفلاتا أمنيا وعدم استقرار, ومشاكل اقتصادية وسياسية، ما يجعلها منشغلة بإعادة ترتيب بيتها الداخلي لفترة قد لا تكون قصيرة، وكذلك الوضع في تونس، وإن كانت أحسن حظا من ليبيا، وأقل تأثرا بهزة الربيع العربي، ولكن السياحة التى تعتبر المصدر الأساسي للاقتصاد التونسي قد أصيبت بانتكاسة كبيرة بعد سقوط نظام ما قبل الثورة , الذي كان يوفر للأوروبيين وغيرهم من السياح، من أمريكا، وإسرائيل، المناخ الملائم للاستجمام، في جو من الحرية والأمن، لم يجدوه حتى فى دولهم.
ولذلك فقد شهد قطاع السياحة في عهد النظام البائد تطورا ساهم في نمو البلاد آنذاك، ولا يُنتظر من النظام التونسي الجديد، ذي المرجعية الإسلامية، أن يوفر لهؤلاء السياح ما كان النظام السابق يوفره لهم، وبالتالي فإن الإقتصاد التونسي سيتأثر بشكل بالغ، إلا إذا كانت بعض دول الخليج ستعوض ذلك النقص، تشجيعا منها لنظام “النهضة” الذي يجد نفسه أمام معادلة صعبة، وهى محاولة الموازنة بين نقيضين : الدولة الإسلامية أو ذات التوجه الإسلام، ومتطلبات العولمة، ومسايرة الغرب، باعتباره مصدر رزق مضمون، بشروط تخالف المرجعية الإسلامية في الغالب.
ولاشك أن اتحاد المغرب العربي يمكنه أن يحقق لشعوبه ما تصبو إليه، لما لديه من موارد اقتصادية، كصادرات ليبيا والجزائر من النفط والغاز، وصادرات موريتانيا من الحديد و السمك، ومن مصادر بشرية وخبرات، خاصة في كل من المغرب والجزائر وتونس، ما يؤهله ليكون قوة إقليمية عظمى أولا، وما يلبي طموحات شعبه الذي يتطلع إلى بناء صرح مغاربي موحد ينعم فيه بالاستقرار، والنمو، وحرية التنقل بين دول الإتحاد، وحرية التجارة، وإلغاء القيود الجمركية، والتكامل الثقافي والصناعي مابين دوله، ثانيا.
لكن هذا كله يبقى رهينا بمدى الاستقرار السياسي لدول الإتحاد وبمدى جدية القادة الجدد في تجسيد ما تحلم به شعوبهم على أرض الواقع.
وتعلق شعوب الاتحاد آمالا جساما علي قمة تونس، التي ستنعقد قريبا، لتتلاقح فيها أفكار الثوريين الجدد، المتحمسين لبناء هذا الصرح، وتجارب القدماء، سبيلا لبعث الأمل في شعوب الإتحاد بعد عقود من التيه.